للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إن أسيادك- يا شيخ- بارعون في استغلال المواهب والكفاءات والاختصاصات. ولو كنت من أصحاب المبادئ الثابتة لما صحبوك ساعةً من نهار. ولكنهم يستغلّون- إلى حين- اختصاصك في السب والكذب والبهت. وتستغلّ أنت- إلى حين- جندَهم المسخّر لبيع "المغرب العربي" (وما أكثر باعة المغرب العربيّ فيهم)، ولعلّك أعجبك منهم أنهم قوم محظوظون في الزعامة، فطمعت أن تصبح زعيمًا بالمجاورة أو التوهّم كما قالوا في "جحر ضب خرب"، وفاتك أنّ شروط الزعامة عندهم أربعة، وأنت لا تملك منها إلا واحدة ...

...

قد كان يَسعُنا أيها الشيخ أن نعمر سنتنا بالأعمال، وتعمرون سنتكم بالأقوال، فإذا جاء رأس السنة وحلّ وقت الحصاد، قلنا: هذه أعمالنا، وقلتم: هذه أقوالنا، وعرضنا البضاعتين على الأمة لتنظر وتحكم أيتهما أزكى طعامًا، وأعظم عائدة، ثم قلنا لكم: سلام عليكم، وكل عام وأنتم سبّابون عيّابون كذّابون، ورجع كل منا إلى ما يُسر له، وكان يسعنا أن نبدأ من هذه السنة فنعفيكم من السنوات الماضية من تاريخكم التي هي سنوات مغسولة، لا نقطة فيها ولا حرف. وإذا وُضِعت الأعمال في كفة والأقوال في كفة، وهبط الثقيل وارتفع الخفيف، علّل الفارغون أنفسهم بأن ارتفاع الفارغ ارتفاع، وقد شهد الناس بأنه ارتفاع، وكفى. أهذا هو المنطق أيها القوم؟

كان يسعنا هذا، وكان مما ركب في طباعنا هذا، ولأجله سكتنا على تحرشكم المستمرّ سنوات، وفي استطاعتنا أن نسكتَ سنوات أخرى لو أنكم اقتصرتم على السب والكذب اللذين يهدمان صاحبهما قبل أن يهدم بهما الناس، ولكنكم أقمتم لنا الدلائل من أقوالكم وأعمالكم على أنكم تحاربون العلم والدين بسبّ العلماء، وتحاربون التعليم بإفساد المعلمين وأنكم تصدُرون في ذلك عن عمد وإصرار. وأن لكم خطةً مرسومة في الاستيلاء على جميع المشاريع بقصد إفسادها وتعطيلها لأنكم لا تحسنون تسييرها. كل ذلك ليخلو لكم وجه الأمة، وتحلو لكم أموالها، وإن هذه المقاصد منكم لم تبقَ خافيةً حتى على الصبيان.

إنكم أصبحتم كأصنام البابليين التي قال فيها إبراهيم: {رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ}، ولو كان إضلالًا في السياسة لهان الأمر ولكنكم جاوزتم إلى ميادين ليست من اختصاصكم، وتقحَّمتم في مسالك لا تحسنون السير فيها، وافتضحت نيّاتكم المبيتة فاحوجتمونا إلى هذا، وإنكم لتعلمون أن فتح هذا الباب لا يعود بالخير علينا ولا عليكم، ولا على الوطن الذي أكثرتم في التدجيل على الأمة باسمه. ومن لنا بالدليل على أنكم مخيَّرون لا مسيّرون؟

***

<<  <  ج: ص:  >  >>