للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الشدة والدوران والإرهاق وتغليظ القول: ثم فُتّشت حقائبهما وأوراقهما وكتبهما العربية- طبعًا- وحجزت في الكوميسارية ما يقرب من يومين حتى تدخّلت بعض الهيئات المنتصرة للحق وأوفدت نائبًا شيوعيًّا لفكّ المحجوزات المحرّمة في بلدة عنابة.

وفي أثناء رمضان الماضي، ذهب إلى عنابة الشيخ فرحات العابد أحد مديري مدارس جمعية العلماء لقضاء إجازته الصيفية بين أحبابه وأقاربه وليقوم بأحاديث في الوعظ والإرشاد الديني كبقية إخوانه المكلّفين بذلك من الجمعية؛ فاستدعته الكوميسارية وأرهقته تحقيقًا وبحثًا، وسلّطت عليه أعوانها يتعقّبونه في كل حركة وسكون، والرجل معروف في البلدة، وله فيها قرابة وأصدقاء، ولكن ذنبه في نظر الكوميسارية أنه من جمعية العلماء، بدليل أن الأسئلة التي كانت تنهال عليه كلها متعلقة بجمعية العلماء وأعمالها وبرامجها، كأن جمعية العلماء ليست في الجزائر، أو كأن عنابة ليست من الجزائر، أو كأن الإدارة العليا- التي نظنّ أنها تشرف على تلك الكوميسارية- لا تعلم شيئًا عن جمعية العلماء فهي في حاجة إلى تلك التدقيقات التي تأتيها من كوميسارية عنابة.

وفي هذه الأيام الأخيرة زار "عنابة" الشيخ أحمد رضا حوحو أحد أعضاء الجمعية لمصالح خاصة له بها، فأقلق البوليس راحته منذ وصوله باقتفائه لخطواته، وضبطه لأنفاسه، ثم استدعاه للكوميسارية- على العادة- وحقّق معه كما حقّق مع إخوانه من قبل؛ وكان الموضوع هو الموضوع ... ما هي جمعية العلماء؟ ما هي أعمالها؟ ما هو برنامجها التعليمي؟ ورئيسها ... ماذا يصنع؟ وأين هو الآن؟ وهل يريد زيارة عنابة؟

ألم تصبح عنابة- بهذا كله- بلدة العجائب والغرائب؟ ألم يُصبح هؤلاء الذين يُسمّونهم رجالَ الأمن رجالَ خوف؟ يخوفون الناس وهم آمنون، ويهيّجونهم وهم مطمئنون، ويعاملونهم معاملة الأجانب وهم في وطنهم ... بلى وإن لهم من وراء ذلك كله غاية هم غير واصلين إليها بإذن الله، وهي حجب "شمس المعارف" على "البوني" (٢) حتى لا تشرق أشعّتها على ذهنه. وإن غاية الغايات لهم في هذا التضييق على جمعية العلماء هي مقاومة الإسلام والعربية بهذا القطر، إن لم يكن في جميع القرى ففي بعضها، ولو سألت أعوان البوليس بعنابة لِمَ تشتدون في ما يلين فيه غيركم، لأجابوك: لا يضرّنا مَن ضلّ إذا اهتدينا ...

أما نحن فنقول: إننا مسؤولون عن ديننا ولغتنا وعن نشرهما، فإذا أصبحت عنابة جهنم فإننا سندخل لأجلهما جهنم! ...


٢) شمس المعارف اسم كتيّب شهير في الأوفاق والطلسمات ومؤلفه الشيخ أحمد البوني. وعنابة كانت تسمّى في القديم بونة، وبلد العناب، فأخذ الإفرنج الاسم الأول وأخذنا نحن الاسم الثانى، وفي ذكر شمس المعارف والبونى تورية لطيفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>