للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسائل باطلة، وقال للجمعية بصراحة إنه لا يرضى أن ينتقل "مكروب" جمعية العلماء إلى "مملكته"، ونبّهنا رؤساءه إلى أعماله فلم يسكنوا متحركًا. واعتدى "نصف شيخ" قرية "ايغيل علي" على حرمة المسجد فاقتحمه بالسلاح، وعلى كرامة خطيبه ومدرّسه فأهانه، واسم هذا النصف شيخ اسم مسلم، ولكن أفعاله ليست أفعال المسلمين؛ بل هو يأتمر بأوامر المبشّرين أو يتطوّع لتنفيذ رغباتهم، وعطّل حاكم "فج مزالة" مدرسة "الربع" من دوار "راس فرجيوه" وأمر القائد أحمد بن عاشور أن يأتيه بمفاتيح المدرسة ففعل ... طاعة لسيّده.

...

طالما أفهمنا الحكومة أن هذا التعطيل للمدارس العربية يعد عقوبة للأطفال الصغار الذين لم يقترفوا ذنبًا، وبرهانًا قاطعًا على سوء القصد في معاملة الإسلام والعربية في دارهما، ودليلًا على بعض ما يضمره الاستعمار لهذه الأمة من بقائها تتخبط في الأمية، وإنما هذه الوقائع جزئية متفرقة الأماكن ضربناها مثلًا وعبرة ولو أردنا التقصي لما أمكن.

أما الكلية المطردة فلم تتجلَّ إلا في بلدة العجائب، بلدة "عنابة"، ففي هذه البلدة من خصائص المعاملات وبدائع الظلم والمنكر ما يشبه على الناس أنها قطعة أجنبية في القطر الجزائري، لا ينقصها إلا النقود، والحدود، والحواجز الجمركية، والتمثيل القنصلي، وطالما سمعنا أنهم يريدون فصلها عن عمالة قسنطينة، فهل هذا من ذاك؟ وهل هذا لأجل ذاك؟

كل من في هذه البلدة من حكّام، وبوليس سري وعلني، يجهد جهده في حرب جمعية العلماء ومقاومة حركاتها، وكلهم مُرصَد لتتبعّ المنتسبين إليها، وكأنهم يريدون عزل عنابة عن بقية مدن القطر التي استنارت آفاقها بعلم جمعية العلماء، وتعليم جمعية العلماء، وأفكارها ومدارسها، وكأنه ليس في البلدة مجرمون ولا نصّابون يستحقّون اهتمام البوليس وتتبّعه إلا من يدخل البلدة من المنتسبين إلى جمعية العلماء.

ومن العجيب في أمر بوليس هذه البلدة أنه يرتكب مع أعضاء جمعية العلماء إجراءات ما عهدنا القانون يسمح بها إلا في ظروف استثنائية وبأوامر خصوصية، فكأنه مطلق اليد والتصرّف في كل ما يتعلّق بنا.

منذ ثلاثة أشهر ذهب وفد من جمعية العلماء مركّب من الشيخين محمد الشبوكي وكامل الحناشي إلى عنابة، لتفقّد الحركة الإصلاحية بها، فكان البوليس أتبع لهما من ظلهما من الدقيقة التي وصلا فيها، وما أقاما فيها ليلة حتى دعيا إلى الكوميسارية (١) وحُبسا فيها أربع ساعات ونصفًا وطُرحت عليهما أسئلة غير معقولة ولا معتادة على صورة تشبه بحث المجرمين


١) الكوميسارية: محافظة الشرطة.

<<  <  ج: ص:  >  >>