للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هزًّا، وأصبحت مقادة في أيدي الدعاة- حتى المشعوذين منهم- يقودون بها الجماهير، ولو إلى السعير، فكيف بمن يطالب مخلصًا بتحرير دين عظيم، من بلاء عظيم؟ وهاتوا المنطق ثانيًا، فهما في قضيتنا أمران: فصل صريح وهو ما نطالب به، أو إبقاءٌ للحال على حاله، وهو ما تريده الحكومة، ولا واسطة بين الطرفين، ولا منزلة بين المنزلتين؛ فأي مجال يسع الخصوم؟ وعلى أي بساط تقع الخصومة؟

أما ما تصوره الحكومة- ولا نقول تتصوره- من وجود خصوم لنا في القضية، فلا وجود له إلّا حيث توجد هي، ولا مكان له في التعقل إلّا إذا زيد في مقدمات علم المنطق- مع التصوّر والتصديق- قسم ثالث، وهو (التصوير)؛ فهؤلاء الخصوم صوَّرتهم الحكومة، فأساءت تصويرهم، وقالت لهم: كونوا خصومًا للحق فكانوا، وقولوا إفكًا وزورًا فقالوا. وإن الفارق الأكبر بيننا وبين هؤلاء الخصوم المصورين المزوَّرين أن الحكومة تستطيع إسكاتهم بكلمة بل بإشارة، ولا تستطيع إسكاتنا بملء الجو كلامًا، وهل في الفوارق بين الأشياء ما هو أوضح من هذا؟ وهاتوا المنطق ثالثًا. فهذه الأمة الجزائرية المسلمة لو اجتمعت في صعيد واحد، وقيل: امتازوا اليوم أيها المجرمون؛ فبقيت خالصة من الدغل، نقية من الدخل، ثم عرض عليها الأمران على جليتهما، فماذا كانت تختار؟ وإلى جانب من تنحاز؟ ... لا نحن نشك في النتيجة ولا الحكومة تشك، لولا أنها تماري في الشمس، ولولا أنها تعتمد على حذقها في (التصوير)، واقتدارها عليه، وحوزها لأدواته وأصباغه، وبختها الخارق في العثور على "الهيولَى" القابلة.

أما ما تقوله الحكومة، ويقوله هؤلاء الخصوم (المصوّرون)، من أن الخلاف بيننا وبينهم اختلاف في حال؛ يعنون في الكيفية التي يقع عليها الفصل، والأيدي التي تتناول الشيء المفصول، فهو قول يُقصد منه معنى ستر العورة بسربال، فيفهم معنى تغطية الشمس بغربال!

...

كتبنا في هذه القضية ما إن مداده لَيُكَوِّنُ عدة غُدران، وما إن صحائفه لتغطي بضعة جدران، ولكن كنا مع هذه الحكومة المتصامَّة- من عتو، ومن استعلاء- كمن يحرق البخور لأصحاب القبور.

ونحن نعلم أن الحكومة تترجم كل ما نكتب، وتقرأه فتفلي الحروف وتحدد مواقعها من الكلمات ومواقع الكلمات من الجمل، ومقام الجمل من المواضيع، وتفسر وتحلل على قدر ملكتها في العربية وحظها من بيانها، وتستعرض الاحتمالات القريبة والبعيدة في المعاني، وتحمّل الكلام من المقاصد وحظها ما يطيق وما لا يطيق، وتجاوز أنواع الدلالات المعروفة، من مطابقة وتضمن والتزام، إلى الإشارة والإيماء والاقتضاء- تفعل كل ذلك لا لتمحص

<<  <  ج: ص:  >  >>