للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بقطع اليد التي غرزتها، وليت شعري بماذا يعد هذا الشيطان العرب في الحرب الثالثة ونذرها تتوالى؟ إنه سيغير الأسلوب، ويأتيهم كطالب الغيث بالرداء المقلوب، فهل يلدغ العرب من جحر واحد ثلاث مرات؟

هذا المؤتمر هو الأول من نوعه في عالم المؤتمرات، فليكن هو الأول من نوعه في عالم الآراء الحكيمة والقرارات العملية الحازمة، وهو أكبر مؤتمر يجمع القلوب التي جرحها الاستعمار الغربي والرقاب التي استذلها والأوطان التي ابتلع خيراتها، فسمن على هزالها، وقوي على ضعفها، وحي على موتها، فليكن دور الدول الإسلامية فيه كما يريد منهم الإسلام، وكما تملي عليهم روحانيته السماوية وعظمته التاريخية دورًا قويًا شجاعًا واضحًا في صداقته لمن يصادق صريحًا في عداوته لمن يعادي، ليكن دور الدول الإسلامية في هذا المؤتمر دور الإمام الموجه لا دور التابع المقلد، لأن الإسلام هو الذي عرف هذا الشرق كما يجب أن تكون المعرفة، ثم عرَّفه كما يجب أن يكون التعريف، والإسلام هو الذي هذب الروحانية الشرقية: كانت خمولًا فصيرها نشاطًا، وكانت ضعفًا فنفخ فيها قوّة واعتزازًا، وكانت منفصلة عن الحياة فوصلها بالحياة، والمسلمون هم الذين تغلغلوا في أحشاء هاتين القارتين فاتحين رحماء ومعلمين حكماء وحكامًا عاملين، وتجارًا صادقين، وهم الذين حافظوا على حضارات الشرق وكملوها ونشروها في العالم خيرًا وعمارة وسعادة.

دور الدول الإسلامية في هذا المؤتمر أن تتذكر قبل كل شيء أن دينها دين يدعو إلى الحرية بجميع أنواعها، ويحارب الاستعباد بجميع أصنافه وأنه لا يدعو إلى شيء حتى يفعله، فهذا هو المعنى الذي يجب أن يستوحيه ممثلو الدول الإسلامية من هذه النسبة فيجتمعوا عليها ويكونوا قلبًا واحدًا ويدًا واحدة وكلمة واحدة وصفًا واحدًا، ثم يتوجهون متعاونين مع إخوانهم المؤتمرين وجهة واحدة هي رأس المال وما سواها ربح، وهي الفريضة وما عداها نافلة.

هذه الوجهة الصادقة هي العمل على قتل الاستعمار الغربي ومحوه من أفريقيا وآسيا حتى لا يبقى له فيها أصل ولا فرع، ومن أدوار الدول الإسلامية في هذا المؤتمر أن توجه اهتمامها إلى فصل الشرق عن الغرب في الحرب المقبلة، والتزام الحياد التام فيها حتى يحترق بالنار موقدها وحده، وإلا يكرروا معه التجربة، فحسبهم ما مر عليهم منها، وألا يرتبطوا معه بمحالفات، فقد عرفوا أنه لا عهد له ولا ميثاق، وأنه يتعرف إلى الشرق في الشدة ويتنكر له في الرخاء. ومن عجيب أمر الشرقيين أنهم يقولون بألسنتهم إن الاستعمار هو أعدى عدو لهم، ثم يرضون بمحالفته، ومتى صح في عقل العقلاء أن يحالف العدو القوي عدوه الضعيف، إلّا إذا كان معنى الحلف أكل القوي للضعيف، وإن هذا لهو الواقع في هذه الأحلاف التي يعقدها الغرب مع الشرق. ان الغرب كلما دهمته أزمة يخاف منها على كيانه أوهم الدول الشرقية أنها قوية وأنها أهل لمحالفته على الدفاع المشترك فتتوهم تلك الدول

<<  <  ج: ص:  >  >>