للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المنّ لأنكى على الحر من الاسترقاق، ثم غزاك الرومان، وأذلُّوا بنيك واشتفَوْا منهم إثخانًا في القتل وانتقامًا- زعموا- من جريرة الصلب، وما ظلمت يا فلسطين، ولكنّ بَنيكِ جرّوا عليك الجرائر، وما كنتِ لتُفْلِتي من براثن الرومان لولا أن انتصف الله لك من عدوّك بالإسلام والعرب، فنصروك وطهّروك وبلُّوا الرحمَ الإبراهيميّة بِبُلالها، ووفَوْا لأبناء العمومة بحقّ القربَى والجوار، وأصبحت من ذلك الحين ملكًا ثابتًا للإسلام، وإرثًا مستحقًا من موسى لمحمد، ومن التوراة للقرآن، ومن إسحق لإسماعيل.

يا فلسطين! ملكك الإسلام بالسيف ولكنه ما ساسك ولا ساس بنيك بالحيف، فما بالُ هذه الطائفة الصهيونية اليوم تُنكر الحق، وتتجاهل الحقيقة، وتجحد الفضل، وتكفُر النعمة؛ فتُزاحم العربيّ الوارث باستحقاق عن موارد الرزق فيك، ثم تَغْلو فتزعم أنه لا شرب له من ذلك المورد.

ما بالُ هذه الطائفة تدَّعي ما ليس لها بحق، وتطوي عشرات القرون لتصلَ- بسفاهتها- وعدَ موسى بوعد "بلفور"، وإن بينهما لَمَدًّا وجزْرًا من الأحداث، وجذبًا ودفعًا من الفاتحين.

ما بالُها تدّعي إرثًا لم يَدفعْ عنه أسلافها غارةَ بابل، ولا غزو الرومان، ولا عادية الصليبيين، وإنما يستحق التراث من دافع عنه وحامى دونه، وما دافع بابل إلا انحسارُ الموجة البابلية بعد أن بلغَتْ مداها، وما دافع الرومان إلا عمر والعرب وأبطال اليرموك وأجنادين، وما دافع الصليب وحامليه إلا صلاح الدين وفوارس (حِطِّين).

إن العرب على الخصوص، والمسلمين على العموم، حرّروا فلسطين مرّتين في التاريخ، ودفعوا عنها الغارات المجتاحة مرّات، وانتظم ملكهم إياها ثلاثة عشر قرنًا. وعاش فيها بنو إسرائيل تحت راية الإسلام وفي ظل حمايته آمنين على أرواحهم، وأبدانهم، وأعراضهم، وأموالهم، وعلى دينهم، ومن المحال أن يحيف المسلم الذي يؤمن بموسى، على قوم موسى.

ما أشبه الصهيونيين بأوّلهم في الاحتياط للحياة، أولئك لم يقنعوا بوعد الله، فقالوا: {يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا}، وهؤلاء لم يثقوا بوعد بلفور حتى ضمنت لهم بريطانيا أن يكونوا في ظل حرابها، وتحت حماية مدافعها وقوانينها؛ وبكل ذلك استطاعوا أن يدخلوا مهاجرين ثم يصبحوا سادة مالكين، ودعْ عنك حديث الإرهاب فما هو إلّا سراب.

ولو أنَّ السيوف الإنجليزية أُغمدت، والذهب الصهيوني رجع إلى مكانه، وعرضت القضية على مجلس عدل وعقل لا يَستهويه بريق الذهب، ولا يرهبه بريق السيوف، لقال القانون: إن ثلاثة عشر قرنًا كافية للتملّك بحق الحيازة، وقال الدين: إن أحق الناس بمدافن

<<  <  ج: ص:  >  >>