للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأنبياء هم الذين يؤمنون بجميع الأنبياء، وقال التاريخ: إن العرب لم ينزعوا فلسطين من اليهود، ولم يهدموا لهم فيها دولةً قائمة، ولا ثلُّوا لهم عرشًا مرفوعًا، وإنما انتزعوها من الرومان، فهم أحق بها من كل إنسان.

...

إن الصهيونية فيما بلونا من ظاهر أمرها وباطنه نظام يقوم على الحاخام والصيرفي والتاجر، ويتسلّح بالتوراة والبنك والمصنع، وغايتها جمعُ طائفة قُدّر لها أن تعيش أوزاعًا بلا وازع، وقُدِّر لها أن تعيش بلا وطن- ولكن جميع الأوطان لها- فجاءت الصهيونية تحاول جمعها في وطن تُسمِّيه قولًا فلسطين، ثم تُفسِّره فعلًا بجزيرة العرب كلها، فهو في حقيقته استعمار من طراز جديد في أسلوبه ودواعيه وحُججه وغاياته، يجتمع مع الاستعمار المعروف في أشياء، وتفرّق بينهما فوارق، منها أن الصهيونية تعتمد قبل كل شيء على الذهب، تشتري به الضمائر والأرض والسلاح، وتشتري به السكوتَ والنطق، وتشتري به الحكومات والشعوب، تعتمد عليه وعلى الحيلة والمكر والتباكي والتصاغر في حينه، وعلى التنمّر والإرهاب في فرصته.

إن فلسطينَ أرض عربيّة لأنها قطعة من جزيرة العرب، وموطن عريق لسلائل من العرب، استقرّ فيها العرب أكثرَ مما استقرّ اليهود، وتمكَّن فيها الإسلام أكثر مما تمكنت اليهودية، وغلب عليها القرآن أكثر مما غلبت التوراة، وسادتْ فيها العربية أكثر مما سادت العبرية، وما الانتداب الإنجليزي إلا باطل، ليس من مصلحة العرب ولا من مصلحة اليهود، وما الوطن القومي إلا خيال جسَّمتْه الأحلام الدينية، والمطامع المادية، وما منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن ولجنة التحقيق إلا تعلّات لا تُسكِت ولا تُسَكِّن، وما استمرار الهجرة إلا مدٌّ للحمأة وتأريث للنار، ومَن ضاقت به رحاب الدنيا لا تسعه فلسطين، ومن لفظته حواشي الأرض لا تستقرّ به فلسطين، أمَّا حديث التشريد والمشرّدين من اليهود فهو مشترك إلزام في القضية، وما أكثر المشرَّدين في الأمم الإسلامية، بل ما أكثر المشرَّدين من العرب، فإذا أخذْنا الرحمة بالمشرّدين قاعدةً كان أحق الناس بها مشرّدي العرب الذين لا يفصلهم عنها بحر ولا يقال في هجرتهم إليها إنها شرعية أو بدعية كما يقال في هجرة اليهود، وما ظُلِمت كلمة الشرع بأفحش من نسبة الحيل إليها عند بعض فقهائها، ومن نسبة الهجرة اليهودية إليها عند فقهاء الاستعمار.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>