للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك اليوم إلا إفاقة رجل نائم وصحو جوّ غائم: وإن ذلك لقريب، إنه لقريب ... ومعاذ العروبة أن تقضي جريرة العرب، على جزيرة العرب.

ويريد اليهود أن يجعلوها وطنًا قوميًّا يحققون به الأحلام الدينية التي فتنت أحبارهم، والمطامع الدَّنية التي فتنت أغنياءَهم، وأن يجعلوها مهجرًا لهذه الفلول والأوزاع التي طردتها أوربا، ولفظتها أطراف الكرة من كل محتال، وكل دجال، وكل عابد للمال، تبرمًا بهم وضيق صدر منهم، وما في كل أولئك من يمت إلى السامية بعرق، فإننا نعلم أن هذه الحُميراء التي غمرت أرض فلسطين وتهافتت عليها مهاجرةً من أقاليم الشمال، البعيدة عن الاعتدال، ليست إسرائيلية النجار، وإنما هي أمشاج من أصول أوربية، متباينة الخصائص الجنسية والنزعات الوراثية، جمعت بينها المطامح المادية أولًا، والصهيونية ثانيًا، واليهودية الزائفة ثالثًا، فمنها السكسوني والجرماني، والسلافي واللاتيني، وقد تداعت على صوت الصهيونية إلى فلسطين تحمل معها تلك الخصائص الجنسية المتمرّقة، وتجمل مع تلك الخصائص العلم الأوربي، والفن الأوربي، والجشع الأوربي، والإلحاد الأوربي، والاستعمار الأوربي، والعتوّ الأوربي، وكل شيء عرفت به أوربا ... وفي أوربا كل شيء إلا الخير، فإذا مدّت هذه الحميراء مدها، وضربت بجرانها في فلسطين، فهل يبقى شيء من القدسية لفلسطين؟ وهل يبقى شيء من الشمائل السامية في فلسطين؟ وهل تكون فلسطين يومئذٍ إلا جحيمًا يضطرم بالمادة التي شهدنا آثارها في أوربا، وشاهدنا من عملها في تخريب العقول، أضغاف ما شاهدنا من آثار الحروب في تخريب المدن، وهل تكون فلسطين يومئذٍ إلا رقعة من الشرق الطاهر، مكَّن فيها الصهيونيون للإلحاد والإباحية اللذين قضيا على أخلاق أوربا، وابتلت العالم منها بالداء العضال؟ ثم ماذا يكون مصير العرب بعدئذٍ في جزيرتهم الآمنة المباركة؟

ما أشأم الصهيونية على فلسطين، وما أعقّ صهيون لفلسطين، وما أضلّ ضلالَ اليهود إذ يَجْرون وراء خيال الوطن القومي فيجرُّون البلاء لفلسطين، ويُزهقون روح (سام) بمادة الغرب المسمومة، وسبحان من فاوت بين العنصرين في رقّة الحس، ودقّة الحدس، والأصل واحد، وسبحان من خص العرب بالعامري، واليهود بالسامري (١).

وما أجهل العرب إذا لم يعاجلوا هذه الجرثومة الصهيونية الخبيثة بالاستئصال! إنهم- والله- إن لا يفعلو تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.

...


١) العامري هو مجنون ليلى وهو رمز للرقّة واللطف ومثال للإنسانية السامية، والسامري هو الذي مكر باليهود في غيبة موسى للمناجاة وفتنهم بالعجل الذهبي، وقصته في عدة سور من القرآن وتفصيلها في سورة طه.

<<  <  ج: ص:  >  >>