للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونحن نريد فلسطين كاملة بالاستحقاق الذاتي، لأننا آخِرُ ورثتها، ولأننا واضعو اليد عليها بالحوز والتصرّف كما يقول فقهاء القانون، والصهيونيون يريدونها كذلك كاملةً بالحُلم والطمع والتمنِّي والتباكي والاحتيال والاستعانة بالأعداء، وشراء الضمائر الرخيصة ولكن ما بالُنا وما بالُهم؟

ما بالُنا حين ضُربت الأزلام على تقسيمها بيننا وبينهم غضبنا غضبة الحر الذي لا يرضى إلا بحقّه كاملًا غير منقوص، وثُرنا ثورة المظلوم الذي آثر أن يموت كريمًا على أن يعيش لئيمًا.

وما بالهم هلّلوا للتقسيم وطاروا به فرحًا ودقّوا له البشائر في كل أرض فيها يهودي وعرفنا من معارف الوجوه ما تخفيه مجاهل النفوس من ابتهاج وسرور، حتى لقد أنساهم الفرح كل ما يسمّى ذوقًا وكياسة ولطفًا ومجاملة مع عشائرهم العرب المسلمين الذين وفوا لهم في كل محنة نالتهم إلى الأمس القريب من أصدقائهم اليوم ضاربي الأزلام على تقسيم فلسطين.

إنما غضبنا وثرنا لأننا أصحاب حق لم نرضَ أن يشركنا فيه من ليس له فيه حق، وإنما رضوا وفرحوا لأنهم مبطلون، والمبطل الذي يعتمد على الحيلة والمكر يطلب الشيء كاملًا وهو يعتقد أنه مبطل فيكون ضميره أقوى خواذله، إن لم يكن أقوى عواذله، فإذا ظفر بشيء منه بحكومة باطلة قنع بالنزر ورضي باليسير، كالسارق يقنع بكل ما حصل في يده، لأنه لم يبذل فيه إلا الحيلة والاستغفال، وأهون بهما! ولو أن مجلس اللصوص حكم لصهيون بتل أبيب وحدها وطنًا قوميًّا لرَضي صهيون بالحكم، وعدَّها غنيمة باردة، ولم ينقص فرحه عن فرحه اليوم بنصف فلسطين الأخصب الأطيب ... هذه واحدة، وأخرى يضمرها صهيون وقد عرفها الناس من امتداد أحلامه، ومأثورات المهوّسين من أسلافه، وهي أنه يحرص كل الحرص على وضع قدمه في أرض فلسطين باسم وطن قومي، ولو كان أفحوص قطاة، وباعتراف دولي ولو بشراء الأصوات، ويعتمد بعد ذلك على المطاولة والذهب واستجداء المعونة من (أهل الفضل والخير) كالإنجليز اليوم ولا أدري من ... غدًا، وإن أحلام صهيون قد عرفها الناس وعرفوا أنها تمتدّ إلى جزيرة العرب كلها وإلى جزيرة سيناء، وقطعة من أرض مصر، ومن عاش آلاف السنين في أضغاث، ولم تتحقق له واحدة منها في شبر، حقيق بأن يعيش آلافًا أخرى من السنين في حواشي الأضغاث بعد أن تحققت له في مئات الأميال.

<<  <  ج: ص:  >  >>