للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كنعان في واحدة من هذه، وإنما هي كتابة الله بشرطها، ومعجزة موسى في حدودها. ولكنَّها في هذا العصر، عصر الحضارة، حضارة القرن العشرين، وعصر الديمقراطية، ديمقراطية العالم الجديد، وعصر الحرية، حرية الثورة الفرنسية، وعصر الشيوعية، شيوعية ماركس ولينين، تؤخذ في سوق الأغراض والمنافع الخسيسة بيعًا ومساومة ...

فات اليهود أن يأخذوها بالسيف من العرب فيكفِّروا بعد عشرات القرون عن سيّئة اجترحها أسلافهم يوم قالوا: {يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ}، فاتهم ذلك، وأعوزتهم الخصائص الدمويّة التي يكونون بها كذلك، فلجأوا إلى ما هو الأشبه بهم لا بها، وهو ... وهو الشراء. شراء القوي ليكون لهم معينًا، وبحمايتهم رهينًا، وشراء المعلنات اللافتة، والأصوات ولو كانت ... خافتة! ...

يا بخس فلسطين! ... أيبيعها من لا يملكها ويشتريها من لا يستحقّها؟ يا هوان فلسطين! ... أيكون من ذوي الحق في بيعها تلك الدويلات التي لم تُخلَق خلقًا طبيعيًّا وإنما خلقتها المنافسات، والتي لم يبلغ الكثير منها جزءًا مما بلغته فلسطين من مجد في التاريخ، وسابِقة في الحضارة، ويد في نفع البشرية. بل لم تبلغ مجتمعةً ما بلغته فلسطين من احتضان النبوّات واستنباط الشرائع والعلوم والحكم.

ويقولون إنّ فلسطين منسك للأديان السماوية الثلاثة وإنها قبلة لأهل تلك الأديان جميعًا، فإن كان ما يقولون حقًّا- وهو حق في ذاته- فإن أحق الناس بالائتمان عليها العرب، لأنهم مسلمون، والإسلام يُوجب احترام الكُتب والكتابيين، ويوجب الإيمان بجميع الأنبياء والمرسلين، ويضمن إقامة الشعائر لليهود والمسيحيين، لا اليهودُ الذين كذَّبوا الأنبياء وقتلوهم، وصلبوا- بزعمهم- المسيح الصادق، وشرّدوا حوارييه من فلسطين، وكفروا بمحمد بعد ما جاءهم بالبيّنات.

ومن غريب ما صنعته الحضارة المادية بأهلها، وما طبعت عليه نفوسهم من جفاف، وما ابتلتْ به ضمائرهم من زيغ وانحراف، أن الدولَ والدويلات التي صوّت ممثلوها على تقسيم فلسطين وغرس اليهودية في الجزء الأهم منها غرسًا رسميًا قانونيًا؛ كلها دول تدين أممها بالمسيحية، وباعتقاد أن اليهود صلبوا المسيح ... فهل يُلام العرب بعد هذا- والمسلمون من ورائهم- إذا اعتقدوا أنها حرب صليبية، بعض أسلحتها اليهود، وأنها ممالأة مكشوفة من الدينين الصالب والمصلوب على الإسلام؛ نعم وإن كلمة المارشال اللنبي التي قالها يوم انتزع القدس من يد الأتراك لا تزال مأثورة مشهورة، ولا يزال رنينها مجلجلًا في الآذان، وصداها متجاوبًا في الأذهان.

أيها العرب، أيها المسلمون!

إن فلسطين وديعة محمد عندنا، وأمانة عمر في ذمّتنا، وعهد الإسلام في أعناقنا، فلئن أخذها اليهود منّا ونحن عصبة إنا إذًا لخاسرون.

<<  <  ج: ص:  >  >>