للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومعها الظلم والباطل. وسيرى العالم أيّتهما تُحطّم. وأيتهما تتحطّم؟ وكأن الله جلت قدرته أراد أن تجري التجربة الثانية للسلاح الروحاني امتحانًا لقدرته على المقاومة في أرض فلسطين منبع الروحانيات على يد وارثيها بالفرض من إسماعيل وإبراهيم، وسيُصارف العرب اليهود مادة بمادة حتى إذا بطلت خاصية المادّة فضلوهم بتلك الذخائر الروحانية التي اختصّوا بها، وستكون العاقبة للروح وعجائبه، لا للمادّة وغرائبها.

ويح الأقوياء! ... أكانوا يتخيلون- يوم استهواهم البريق فرجحوا كفة صهيون- أن العرب يستسلمون للضعة، ويخضعون للهون والدون، وصفقة المغبون، أو يرضون بحكومة أصوات معروضة للإعارة والإجارة، هي عندهم من قبيل صوت الناعي ينعى من غير تأثّر، والنادبة تندُب من غير شجىً، فإن لم يكن أولئك الأقوياء بتلك المخيلة فهل بلغ بهم الاستخفاف بدماء البشر أن يُسبِّبوا لإراقتها الأسباب، ويفتحوا لهدرها الأبواب؟ ألم تكفهم المجازر الكبرى حتى يخلقوا لها بُنيات، ويفتحوا إلى أمثالها مطالع وثنيات؟ ...

كذبتكم المخيلة أيها الأقوياء! ... إن العرب إذا سيموا الحيف حكموا السيف، وإنهم سيأخذون حقّهم بالدم الأحمر في حين أراد اليهود استلابه منهم بالذهب الأصفر. وإن الزمان سيأخذكم بهذه الدماء المراقة، أخذ الأرض لفرس سُراقة (١)، وإن التاريخ سيعصِب بكم عارَها وشنارها، وسيئاتها وأوزارها.

وويح لليهود! ... أبلغتْ بهم الغباوة أن يشتروا الحياة الموهومة بالموت المحقق؟ أما وسِعهم ما كانوا فيه من أخوّة العرب لهم، وعدل العرب فيهم، وفضل العرب عليهم، وانتصار العرب لهم، حتى يكفروا بذلك كله، ويلتمسوا النصفة ممن شرّد آباؤه آباءَهم وطرد أجداده أجدادهم، ويستجدوه الرحمة فيُنجدهم بالعذاب؛ وليس برحيم مَن ألقاك في جحيم!

وويح الجميع! ... إن غرسَ صهيون في فلسطين لا ينبت، وإذا نبت فإنه لا يثبت، فانتظروا إنّا معكم من المنتظرين.

...

كان حظّ فلسطين في أدوار الزمن، وأطوار التاريخ، وعصور الفتوحات، حظ العقيلة الكريمة؛ تؤخذ في ميدان البطولة ممهورةً لا مقهورة، أخذها البابليون غلابًا، وأخذها الفرس اغتصابًا، وأخذها الرومان اقتسارًا، وأخذها العرب اقتدارًا، ولا يعدّ أخذ اليهود لها من


١) سراقة بن مالك المدلجي، الذي قفا أثر النبي وصاحبه أبي بكر يوم الهجرة على جعل يأخذه من قريش إذا ردّه إليهم، فلما لحقهما في الطريق ساخت قوائمُ فرسه في الأرض، والقصة مبسوطة في كتب التاريخ والسير.

<<  <  ج: ص:  >  >>