للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإذا أنصفنا الرجل قلنا: إنه مجموعة من العناصر منها العلم ومنها الظلم، ومنها الحق ومنها الباطل؛ وأكثرها الشرّ والفساد في الأرض- أُطلق عليها لكثرتها واجتماعها في ظرف- هذا الاسم المركّب الذي لا يلتقي مع الكثير منها في اشتقاق ولا دلالة وضعية، كما تُطلق أسماءُ الأجناس المرتجلة، وكما يُطلِق علماء الكيمياء على مركّباتهم أسماءَ لا يلمحون فيها أصلًا من أصولها، ومن الأسماء ما يوضع على الفال والتخيّل، فيطيش الفال، وتكذب المخيلة، ومنها ما يوضع على التوسع والتحيّل، فيضيق المجال، وتضيع الحيلة، وإن اسم صاحبنا لم يصدُق فيه إلا جزءُه الأول، فهو عبد لعدّة أشياء جاءت بها الآثار وجرت على ألسنة الناس، ولكن أملكها به الاستعمار؛ أما جزءُه الثاني فليس هو من أسماء الله الحسنى، ولا يخطر هذا ببال مؤمن يعرف الرجل، ويعرف صفات عباد الرحمان، المذكورة في خواتيم سورة الفرقان، وإنما هو بمعنى القبيلة، كما يقال كاهن الحي وعرّاف الحي وعير الحي، وقبّح الله الاشتراك اللفظي، فلو علم العرب أنه يأتي بمثل هذا الالتباس لطهروا منه لغتهم، وتحاموه فيما تحاموا من المستهجنات، ولو أدرك نفاة الاشتراك في الاستعمالات الشرعية زمن عبد الحي، أو أدرك هو زمنهم وعرفوه كما عرفناه لكان من أقوى أدلّتهم على نفيه، ولارتفع الخلاف في المسألة وسجّل التاريخ منقبة واحدة لعبد الحيّ، وهي أن اسمه كان سببًا في رفع خلاف ...

وإذا كانت أعمال الشخص أو آثار الشيء هي التي توضع في ميزان الاعتبار وهي التي تُناط بها الأحكام فهذا من ذاك ولا عتب علينا ولا ملام.

وكأن صاحبنا شعر ببعض هذا- ومثله من يشعر- فموّه اسمه ببضع كنى، ولكنه لم يجرِ فيها على طريقة العرب في تكنية أنفسهم، بل كنى نفسه بأبي الإقبال، وأبي الإسعاد، وما أشبه ذلك مما هو غالب في كُنى العبيد، تفاؤلًا وتروّحًا، وقد رأينا بعض من كتب لعبد الحي، أو كتب عليه، يكنيه بأبي السعادات، وهو لا يعني سعادات ابن الشجري، ولا سعادات ابن الجزري، وإنما يعني سعادات ثلاثًا لكل واحدة منهن أثرٌ في تكوينه أو في شهرته: جريدة "السعادة" لأنها تُطريه، وقرية بو"سعادة" لأنها تُؤويه، ونسخة أو جزءًا من البخاري بخط ابن "سعادة" لأن الخزانة الجليلة تحويه، والرجل مفتون بهذا النوع من الكُنى لنفسه ولغيره، يُغرب فيها ويُبدع حتى كنى الشيخ النبهاني بأبي الحجاز.

هذا وإن لصاحبنا أولادًا صالحين يشرّفه أن يكتنى بأحدهم، فلماذا لم يفعل؟ ...

***

<<  <  ج: ص:  >  >>