للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعض الإنصاف يا أصحاب هذه الضمائر المظلمة، فإنا لا نسألكم الإنصاف كله؛ أتعذِرون اليهود في إجلابهم على فلسطين، وجمعهم الأموال للاستيلاء على فلسطين، وتسليحهم لإخوانهم في فلسطين، ولا تعذرون العرب إذا هم فعلوا مع إخوانهم في فلسطين شيئًا من ذلك؟ أترخِّص حكوماتكم ليهود العالم في الهجرة إلى فلسطين، وتيسّر لهم سبلها، وتبيح لهم خرق القوانين الدولية المسطورة، فإذا حاول العربي شيئًا من ذلك رُدَّ وصُدَّ، وإذا دعا داعي العرب إلى شيء من ذلك عُدَّ مشوشًا ومتعصبًا وعنصريًّا؛ ولا والذي طواكم على هذه الضمائر، ما أرتْنا الحقيقة إلا أنكم أئمة العنصرية وأقطابُها، وما أرتْنا التجربة إلا أن كل شعب بنى حياته على العنصرية كانت هي علة موته.

آمَنّا الآن- على بداوتنا- بأن العالم المتحضّر قد تهوّد، وآمنا بأن السحر الذي أبطله موسى قد أحياه أشياعه ولكن بغير أدواته، أبطله بعصا الخشب، وأحيَوه بحبال الذهب، وآمنّا بسفسفة القضايا العقلية التي تحيل اجتماع الضدّين حين رأينا التضاد يجمع طرفيه في دائرة مغنطيسية فإذا هو ممكن ... وإذا عقيدتا الصلب لعيسى والتأليه له تجتمعان في هالة من البريق المُعشي للأبصار والبصائر، فكأنَّه لا تأليه ولا صلب ... كلَّ ذلك لأنه لا ضمير ولا قلب.

تعالوا يا أصحاب هذه الضمائر المنفصلة ... إلى كلمةٍ سواء بيننا وبين اليهود. تعالوا نقامركم مقامرة لا يقترحها إلا عربي، ولا يُقْدم عليها إلا حرّ أبيّ، ولكنها مقامرة تفضّ النزاع الذي أعياكم أمره، وراع العالم شرّه- في لحظة- دعونا من التقسيم فالرقعة ضيّقة بأهلها، ومن الوطن القومي فالكلمةُ ضائقة بمعناها، وهلمَّ بنا إلى الحل الناجز، والفصل الحاجز.

احشدوا إلى فلسطين جيشًا من الصهيونيين من نبْت الشرق أو غرس الغرب ولا نشترط إلا أن يكونوا صهيونيين، ونَكِلُ إليكم عدده، ونحشد نحن بإزائه جيشًا من العرب ولكم علينا أن يكون أقل من جيش اليهود عددًا إلى الثلثين، على شريطة واحدة، وهي أن يكون سلاح الفريقين متكافئًا في أنواعه وأصنافه وألوانه وأوصافه؛ ثم اضمنوا لنا البحر أن لا يقذف بمدد، ونضمن لكم الصحراء أن لا يتسرب منها أحد؛ ولتَبْقوا أنتم، ويهود العالم، وعرب العالم، نظَّارةً متفرّجين لا إعانة ولا إمداد، ولا هجرة ولا جهاد، ثم نفوّض إلى الجيشين حلّ المشكلة بالموت في ميقات يوم معلوم، فإن غلب الصهيونيون سلَّمنا في فلسطين، وآمنَّا بالوطن القومي، وزدنا على ذلك تحية وسلامًا، وتهنئة وإكرامًا؛ وإن غلب العرب كان الجُعل متواضعًا يزيّنه الرجوع إلى الطبيعة وهو بقاء فلسطين عربية تُظِل اليهود الأصلاء بالرعاية والحماية. وتُجلي اليهود الدخلاء الذين نجموا مع قرن الصهيونية ودخلوا فلسطين باسمها وعلى صوتها ودعوتها.

إنها- كما ترون- مقامرة تنطوي على مغامرة، وإن فيها لكثيرًا من المحاباة لليهود.

ومع ذلك فقد رضينا ورَضي العرب ... أقولها وأنا مسلم، والمسلمون يسعى بذمّتهم أدناهم، وعربي والعرب هم الذي وضعوا "كلمة الشرف" للعالم وأفهموه معناها.

<<  <  ج: ص:  >  >>