للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السياسات كلّها وهو الدين لنبني عليه كل ما يأتي بعده، فنسالم ونحن مسلمون ونخاصم ونحن مسلمون ونصادق أو نعادي ونحن مسلمون، فيكون في إسلامنا ضمان للمعدلة حتى مع خصومنا، فمن كان من أبنائنا في ريب من الحكمة في سلوكنا فلينظر تشدد الاستعمار معنا، وشدة "تمسّكه"، إنه لا يعاديكم فيسرف في العداوة، ويظلمنا فيمعن في الظلم إلا لأنكم مسلمون، ولأن هذا الإسلام منبع قوة تقتل الضعف، ومبعث روحانية تقهر المادة، فهل لكم أن تقابلوا "تمسّكه" بالمعنى الذي يريده، بتمسّك من جهتكم بالمعنى الذي يريده الله؟

٣ - نحن سياسيون لأن ديننا يعد السياسة جزءًا من العقيدة، ولأن زمننا يعتبر السياسة هي الحياة، ولأنها آية البطولة، ولأن وضعها يصير السياسة ألزم للحياة من الماء والهواء، ولأن السياسة نوع من الجهاد ونحن مجاهدون بالطبيعة فنحن سياسيون بالطبيعة، ولأن الاستعمار الفرنسي بظلمه وعسفه لم يغرس في الجزائر إلا ثمرتين: بغض كل جزائري لفرنسا حتى الأطفال، وصيرورة كل جزائري سياسيًا حتى الأئمة.

ليت الاستعمار يأخذ من هذه الصراحة ما يغريه بزيادة التشدّد ظنًا منه أنه يشغلنا بجانب عن جانب ويلهينا بديننا عن دنيانا، حتى يعلم أننا أصبحنا- والفضل له- لا يلهينا شيء عن شيء، وأننا إذا لم نستطع شيئًا استطعنا أشياء، وأننا إذا لم نستطع أن نكون عطشًا لخصمنا كنا كدرًا في الماء، وأننا إذا حرمنا قمح الأرض زرعناها أشواكًا، وأنه لم يبقَ قلب في الجزائر يتّسع لذرة من حب فرنسا، أو يتّسع لخيط أمل فيها، وليعلم أخيرًا أن الله للظالمين بالمرصاد.

...

إن كانت مهزلة المجلس الجزائري وقراراته في قضيتنا هي نهاية البداية في ظنّه، فإنها بداية النهاية في يقيننا، وان درسها الأول كلمتان: شحذ الرأي وتصميمه ومواصلة الكفاح وتعميمه ...

إن الاستعمار الفرنسي استعمار صليبي بنى أمره من أول يوم على ابتلاع الأوقاف الإسلامية ليجرّد الإسلام من السلاح المادي فيتسلّط على معابده ورجاله ويقودهم بزمام الحاجة إلى حيث يريد، ولولا فهمنا لهذه الحقائق لما تشددنا كل هذا التشدّد في قضية الأوقاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>