للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في العهد الأخير- إلا بالتنمّر للضعفاء والتذلل للأقوياء، والكيد فيما بين ذلك، ووالله لو أنها تركت في قلوبنا مكانًا للشفقة لأشفقنا عليها من هذا التخبّط الذي تعانيه، ومن هذا الإفلاس الذي أصابها في الرأي والرجال حتى أصبح أعداؤها هم الذين يسيرونها، والموثورون لها هم الذين يتحكمون في مصائرها.

إن فرنسا اليوم تتحرّك في سياستها معنا بطريقة الاحتراق الداخلي، ووقود ذلك الاحتراق هو الحقد، فهل ينفعها هذا الوقود؟ أم يعود فيحرق المحرِّك والمحرَّك، وهل تحفظ لها الحياة هذه الحركة؟ أم هي ذاهبة بها إلى الزوال؟ الحكم لله العلي الكبير.

...

وما ظن الاستعمار بجمعية العلماء؟ أيظن أنها تمل وتكل فتضعف فتستكين؟ لا والله، ولقد خاب ظنّه وطاش سهمه، إنما يكل من كان في ريب من أمره وفي عماية من عمله، أما من كان من أمره على بيّنة ومن عمله على بصيرة، ومن ربه على عهد فهيهات لما يظنّه به الظانون، وان جمعية العلماء لفي موقعها الثابت، وعلى عقيدتها الراسخة، وفي ميدانها الفسيح من الكفاح، ولقد جاهرنا هذه الحكومة مرارًا بأن هذه القضية دينية محضة فلتنفض يدها منها ولتبقِ المجل خالصًا لسياستها معنا ولنا مع سياستها، فأما إذا أبت إلا أن تجعل ديننا جزءًا من سياستها، فسننتقل معها إلى الميدان الذي أرادته واختارته لنفسها ولنا، وسنقود كتائب السياسة في أضيق موالجها جالبة علينا ما جلبت، وسوف تجدنا- إن شاء الله- عند سوء ظنّها، وسوف تجدنا- كما عرفتنا- حيث تكره لا حيث تحب، وسوف نعلمها فقهًا جديدًا وهو أن أرض الجزائر حتى سجونها مساجد لإقامة الصلوات، وأن كل عود فيها حتى المشانق منابر خطبة ومطية خطيب، وأن كل صخرة فيها مئذنة ينبعث منها "الله أكبر"، وسوف يريه بنا أن عاقبة المعتدي على الإسلام وخيمة.

١ - نحن سياسيون منذ خلقنا، لأننا مسلمون منذ نشأنا، وما الإسلام الصحيح بجميع مظاهره إلا السياسة في أشرف مظاهرها، وما المسلم الصحيح إلا المرشح الإلهي لتسيير دفّتها أو لترجيح كفّتها، فإذا نام النائمون منا حتى سلبت منهم القيادة ثم نزعت منهم السيادة، فنحن- إن شاء الله- كفّارة الذنب، وحبل الطُّنْب.

٢ - نحن سياسيون طبعًا وجبلة، ونحن الذين أيقظنا الشعور بهذا الحق الإلهي المسلوب، فما سار سائر في السياسة إلا على هدانا، وما ارتفعت فيها صيحة إلا وكانت صدى مرددًا لصيحاتنا، ولكننا كنّا لا نريد أن نخلط شيئًا كل وسائله حق، بشيء بعض وسائله باطل، وأن نميّز بين ما لا جدال فيه ممّا فيه جدال، وكنّا نريد أن نبدأ بأصل

<<  <  ج: ص:  >  >>