ليخرجوه إلى الناس باسم مجلس يجمع المذبح والمسبح، ويجمع السيد والعبد والزبد بلا زبد، وفيه جماعة ينطقون بالعين من مخرجها- مع علمنا بالنتائج قبل سوق مقدماتها-.
دعانا إلى خوض تلك المعارك وإلى إثارة ذلك النزاع المحتدم، عهد الله في نصرة دينه يجب أن نفي به، وعهد من محمد - صلى الله عليه وسلم - في الجهر بكلمة الحق في وجه من يثقل عليه سماعها، وقد جمجم بها الجبناء من أسلافنا فأضاعوا الحق وبَاءُوا بإثم الإضاعة، والجبناء من معاصرينا فكانوا حجة الباطل علينا ولله الحجة البالغة، وشيءآخر جعلنا نلج في خصومة الاستعمار وهو أنه يعد سكوت الساكت رضى بالمسكوت عليه، فيصبح حقًا مكتسبًا ثلاث مرات: مرة بالقوة التي يملك أسبابها، ومرة بالحيلة التي يفتح أبوابها، ومرة بسكوت أهل الحق على حقّهم. فأردنا أن لا يسجّل التاريخ علينا ما سجّله على الأقدمين من سلفنا من مهانة السكوت بعد الإضاعة أو السكوت الذي سبب الإضاعة، ومن وقاحة الاستعمار أنه يسمّي الحقوق المغتصبة حقوقًا مكتسبة، وقد أفحمناه مرارًا بأن أملاك الدولة المغلوبة قد تصبح بحكم السيف والمدفع أملاكًا مكتسبة للدولة، ما دام السيف سببًا رابعًا من أسباب الميراث، أما أملاك الله التي هي الأوقاف الدينية، وبيوته التي هي المساجد فهي ميراث للدين وأهله لا تغتصب ولا تكتسب، إلا لعدو لله يحاربه كما يحارب المخلوقين ثم يلجّ في طغيانه فيعتقد أنه انتصر عليه.
...
أما جمعية العلماء فلم يجدّ عليها جديد وما رأت من نتائج جهادها إلا أنها كشفت الستر عن حقيقة الاستعمار للمغرورين فيه، وجرأت المكافحين الذين لا يخلو منهم زمان ولا مكان على الأخذ بتلابيبه حتى لا يستريح ولا يهدأ له بال، وعلى زعزعة أركانه إن لم يقدروا على إتيانها من القواعد. ولا ترى جمعية العلماء إلا أن المسألة ما زالت في النقطة التي منها بدأت وأن هذه الأصباغ الحائلة لم تنقل خطأ إلى صواب ولم تقر حقيقة في نصاب.
ولا نقول ربحنا أو خسرنا، فالربح والخسارة من مفردات قاموس التجّار، أما الجهاد الذي غايته تثبيت الحقائق الإلهية في الأرض وغرس البذور الروحية في الوجود فلغته سماوية لا تحمل معاني التراب، متسامية لا تسفّ إلى ما تحت السحاب، وأما المجاهدون في ذلك السبيل، فلا يعدون الربح والخسارة في آرابهم، ولا يدخلون الوقت- طال أم قصر- في حسابهم.
ولو كانت فرنسا تتقايض مع الناس بالضمائر والعقول والقيم والمثل والغايات لقلنا إنها - بتصرفها في القضية الإسلامية- خسرت تاريخها ومبادئها ومقوّماتها ودعاويها التي تذيعها في الناس وبضائعها المزوّرة التي تعرضها على العالم، ولكنها لا تتقايض- فيما تكشفت عنه