للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ضعف بما قوي وشفت غيظها من الفريقين. أليس حاكم فرنسا اليوم والمتحكّم في مصائرها يهوديًا ومن ورائه يهود العالم؟

كنا نعلم هذه النهاية لقضية الإسلام في الجزائر من يوم عرفنا اليمين من الشمال، وبلونا أحزاب اليمين في فرنسا وأحزاب الشمال، لأننا عاصرناهم جميعًا وعاشرناهم قائلًا وسميعًا فما وجدنا منهم في جانبنا منصفًا، ووجدناهم يختلفون إلى درجة الشقاق ويشتجرون إلى نهاية اللجاج، حتى إذا لاح شبح من أشباحنا لعيونهم وعرضت قضية من قضايانا تحت أيديهم تألفت الأحزاب وتآلفت الآراء وتألبت الجموع لأننا نحن وديننا عدو مشترك في نظرهم، وكأن منافرة الضاد للهواتهم مستلزمة لمنافرة أهله لهم ومنافرة دينه لأذواقهم، واللهاة هي نهاية المقاطع الحرفية كما أنها نهاية الحاسّة الذائقة.

...

جاهدنا في سبيل هذه القضية عشرين سنة أو تزيد لم يفل لنا فيها رأي ولم تفل عزيمة، ولم يكل لنا فيها قلم ولا لسان ووقفنا فيها مواقف صادقة خالصة لله ولدينه ولهذه الأمة التي كتب الله عليها أن يكون بعض أبنائها وبالًا عليها وعلى دينها وأعوانًا عليها مع الغاصب، وألجأنا الاستعمار مرات إلى إبرازها بعد أن كان حريصًا على إضمارها، وإلى الحديث عنها بعد أن كان الحديث عنها محرّمًا، وإلى نقلها من ميدان إلى ميدان، ومن وراء البحر إلى ما دون البحر، وشغلناه بها عن كثير من مهماته، ونقضنا شبهاته فيها بالحجج والبيّنات وأفادنا الاشتغال بها والاهتمام بالبحث فيها فوائد أقلّها الاطّلاع على الوثائق الأصلية التي أملاها التعصب الديني والحقد الصليبي، وأجلها افتضاح المارقين منّا الذين باعوا جوهر الدين بعرض الدنيا، وظنّ الاستعمار أنه يغالبنا بهم وبأسمائهم وألقابهم فخذله الله بهم وفضح بعضهم ببعض، وحصلنا من ذلك كله على ذخيرة مادية وأخرى معنوية، وسنترك القضية للأعقاب المجاهدين واضحة المعالم كاملة الوثائق، ناطقة بالحق على الأعوان والخوان، وكأن هذا الدور أخير- وما هو بالأخير- ولكنه انفرد بمظاهر هي التصميم والحزم منّا، والعناد والكيد من خصمنا. فقد بالغنا في التحدي فبالغ في التداهي والتحايل فلفّ القضية بلفافتين من الدستور الجزائري والمجلس الجزائري ونقلها ملفوفة بهما من فرنسا إلى الجزائر وحملت المجلس الجزائري على أن يحمل هذا الحل الأخير نَتْنًا ويضعه يَتْنًا.

وكان في هذا المجلس كثير ممن اسمه محمد وهو عدو لمحمد ودين محمد، وإننا لنجزم بأن هذا الحل المشوّه موضوع مع الدستور الجزائري في آن واحد، وإنما أخّروه

<<  <  ج: ص:  >  >>