لذلك كله لا يطمع في ضبط ولا إحاطة إلّا كما يطمع الغريق في بحر جياش القوارب في الدنو من الساحل.
المرأة المسلمة موضوع ذو شعب: جهلها، تربيتها، تعليمها، حجابها، وظيفتها في البيت، والرجل المسلم موضوع أكثر تشعبًا، والشاب المسلم موضوع، والطفل كذلك، والعرب موضوع والعجم موضوع، والمغرب موضوع والمشرق موضوع، والغني موضوع والفقير موضوع، والملوك موضوع، والسوق موضوع، ونسبة الجميع إلى الإسلام هي موضوع المواضيع، وهنالك تتشعّب المذاهب كتشعّب المذاهب، وتنطمس المسالك على السالك، والأمراض إذا كثرت ولدت الضُّعف، وولد الضعف أمراضًا أخرى.
وإن مما زاد المواضيع كثرة وتوعّرًا على المتكلم في شؤون المسلمين هذا التفاوت الفاحش بين أطراف الشعب الواحد منهم، فتجد الغني الواسع الغنى والفقير الواسع الفقر وتجد المثقف الواسع الثقافة يقابله الأميّ الجاهل بما تحت مواقع سمعه وبصره، وإن أمم هذا الزمان قد تقاربت خصوصًا في باب الثقافة فنجد جميع الأفراد مشتركين في القراءة والكتابة وفي البدائيات من المعارف العامة، فإذا قفز منهم أفراد إلى ذروة العلم بقي الحبل متصلًا بينهم بمبادئ العلم والمعرفة، خلافًا لما عندنا فإن الحبال مقطوعة بين الطبقات، ولذلك نجد الموضوعات عندهم قليلة ومحصورة، فإذا تحدث المتحدث أو كتب الكاتب فإنما يتحدث أو يكتب عن شيء مضبوط محدود أو عن شيء ناقص يفتقر إلى الكمال.
هم لا يتحدثون عن الحرية لأنها حاصلة، ولا عن التعليم لأنه مضمون، ولا عن العمل لأنه مكفول، ولا يتحدثون كثيرًا- إلى ما قبل سنوات- عن الطبقات لأنها متقاربة ولها حدود تقف عندها، ولا عن المرأة لأنها استقرّت في الموضع الذي حدّدته لها حضارتهم.
أيها الإخوان: أهمّ الموضوعات- وإن كثرت وتشعبت- ما يتعلق بالأحياء الناطقين، بل هي أصل الموضوعات كلها، وعليها يتوقف كل شيء، وعلى إصلاحها يتوقف كل إصلاح، وإن لهؤلاء الأحياء حدودًا رسمتها الطبيعة والواقع، فمَن تحدث عنها فهو مُتحدث عن أصل الخير والسعادة، أو عن أصل البلاء والشقاء، فالواجب على خطبائنا وشعرائنا وكتّابنا أن يديروا الألسنة والأقلام في هذا المدار الضيّق، وليناولوه بالتحقيق وليعالجوه بالإصلاح، وإن أركانه لأربعة فلا يزيدون الخامس ولا ينقص الرابع: هي الرجل والمرأة والشاب والطفل.
كانت المرأة المسلمة في الجزائر إلى عهد قريب، لا يجاوز أربعين سنة، محرومة من كل ما يسمّى تعليمًا إلّا شيئًا من القرآن يؤدي إلى معرفة القراءة والكتابة البسيطة، وهذا النوع على تفاهته خاص ببعض بيوت العلم، ولا يجاوزون بالبنت فيه الثانية عشرة من عمرها.