هذه هي الحالة السائدة في الجزائر منذ قرون وتشاركها فيها جميع الأقطار الإسلامية على تفاوت بسيط بينها، والسبب في هذه الحالة نزعة قديمة خاطئة راجت بين المسلمين وهي أن تعليم البنت مفسدة لها، ويلوك أصحاب هذه النزعة آثارًا مقطوعة الأسانيد، مخالفة لمقاصد الشريعة العامة وتربية محمد - صلى الله عليه وسلم - العملية لنسائه ونساء المسلمين العالمات، ثم يؤيّدون تلك الآثار الضعيفة الإسناد بأقوال الشعراء الذين يستمدّون شعورهم من شريعة العواطف المتباينة، لا من شريعة الله الجامعة، ومتى كان الشعراء مصدر فتوى في الدين؟
هذه هي علة العلل في الحالة التي أفضت بالمرأة المسلمة إلى هذه الدرجة التي ما زالت عقابيلها سارية في المجتمع الإسلامي، وما زالت لطخة عار فيه، وان المرأة إذا تعطلت عطّلت الرجل وإذا تأخرت أخّرته، ولا سبب لانحطاط المرأة عندنا إلا هذا الضلال الذي شوّه الدين وقضى على المرأة بالخمول فقضت على الرجل بالفشل، وكانت نكبة على المسلمين. وما المرأة المسلمة الجزائرية إلا جزءًا من المجموعة الإسلامية.
بعد تلك السنوات التي جعلناها حدًا لقديم المرأة الجزائرية، جاء طورها الجديد ويبدأ من نحو أربعين سنة، وقد يستقيم للباحث أن يسمّيه الفجر الكاذب ليوم تعليم المرأة المسلمة الجزائرية، ويصدق هذه التسمية أمران، الأول: أنه بدأ بتعلّم اللغة الفرنسية وهي لغة ليست من روحها ولا من تقاليدها، واللغة الأجنبية إن حسنت فإنما تحسن بعد اللغة المتصلة بالروح والتاريخ والمقوّمات الأصيلة فهي بالنسبة للجزائرية ربح، أما رأس المال فهو اللغة العربية، والثاني: أنها بدأت في المدن الحديثة الحضارة، ونعني المدن التي عمرت في عهد الاستعمار الفرنسي مثل سكيكدة وسطيف وسيدي أبي العبّاس.
ونقصد بكونها حديثة الحضارة أن عمارها طارئون وليست فيها بيوتات عريقة تمثّل حضارتها الإسلامية وتحفظ تاريخها العلمي. ثم سرى هذا التعليم الفرنسي بعد سنوات قليلة إلى المدن التاريخية ذات التقاليد الموروثة والماضي العلمي العتيد، وهي تلمسان وبجاية وقسنطينة والجزائر وما هو من نوعها، وانساق أولياء الفتيات المسلمات إلى هذا التعليم الأجنبي انسياقا غريبًا بعد أن كانوا معرضين عنه بضع سنوات حتى إنك لتجد للواحد منهم بنتًا كبيرة حرمها من هذا التعليم وفوّته عليها ثم سمح به طائعًا مختارًا لأختها الصغيرة أو لأخواتها الصغيرات، وما تغيّر الشخص ولكن تغيّرت فكرته وشعوره، وليس هذا من أثر الدعاية للتعليم الفرنسي، فإن الدعاية قديمة العهد وأبو البنت هو أبو الولد، وقد سمح لولده بالتعليم الفرنسي قبل سماحه لبنته بعشرات السنين، وقد رأى في ولده حسنات هذا التعليم وسيئاته، وإنما السبب الأول لهذا الإقبال على تعليم البنت باللغة الفرنسية هو تقليد من أغرب أنواع التقليد (يصح أن نسمّيه تقليد المنافسة) وغرابته أنه تقليد من الأعلى للأدون، وهو في موضوعنا تقليد الحضري العريق للمتحضر الجديد، ومن أمثلته تقليد الغني الأصيل لغني