الحرب، فهو منافسة في صورة تقليد، ومن أمثلته البارزة شعور بعض المسيحيين في الشرق بضرورة وطن قومي مسيحي، فإن هذه الفكرة ما نبتت إلا بعد وجود الوطن القومي اليهودي، والمسيحي أعز من اليهودي نفرًا وأكثر نفيرًا.
إذن فإقدام البنت المسلمة على العلم باللغة الفرنسية بدأ من العهد الذي حدّدناه تقريبًا، ونرجّح أن لإقبالها على هذا النوع من التعليم المخالف لبيئتها وتقاليدها سببًا آخر ظاهريًا غير ما ذكرنا من تقليد المنافسة، وهو أنه لا يوجد إذ ذاك تعليم رسمي ولا حر باللغة العربية يسبق هذا التعليم، ولا تنسَ أن للتطوّر الفكري أثره في هذه المسألة.
فلننظر الآن ماذا أتى به هذا التعليم من النتائج في أمة تبلغ عشرة ملايين أو تزيد، ونصف هذه الملايين نساء.
إنه لم يأتِ بنتيجة تذكر، لأن معظم المتتبعات لهذا التعليم يقفن عند حد الشهادة الابتدائية ثم يلزمن بيوتهن، وفي الغالب يقبلن على الحرَف النسوية اليدوية وقليلات منهن ينتقلن إلى التعليم الثانوي، وأقلّ من القليل يجاوزنه إلى العالي. وكانت النتيجة إلى هذا العهد أن بضعة آلاف لا تجاوز جمع القلة من البنات المسلمات يحملن الشهادة الابتدائية الفرنسية، وعشرات يحملن شهادة الكفاءة للتعليم فهن معلّمات في المدارس الابتدائية الحكومية وعدد قليل منهن- فيما بلغت إليه تحرياتنا- يحملن ليسانس الآداب وإحداهن أستاذة في مدرسة ثانوية هي شريفة قزّال، وتوجد بالجزائر كلها دكتورة واحدة ممتازة في الطب هي علجية نور الدين ولها عيادة ناجحة في عاصمة الجزائر، واثنتان- فيما علمنا- صيدليتان، وواحدة محصلة على شهادة التبريز في الآداب الفرنسية (اقريقاسيون) بأطروحة قدمتها عن الغزالي وهي حليمة بن عابد، وهي الآن تعمل في الرباط أستاذة، والصنف الوحيد من أصناف العلم الذي كثرت حاملات شهادته من الجزائريات هو القبالة. فالقوابل المسلمات كثرن في العهد الأخير ولعلهن جاوزن المئة، وهذا النوع يرضى عنه حتى المحافظون لحاجتهم إليه ولعلاقته بالنساء والبيوت، فهم أكثر اطمئنانًا إليه دون غيره، ولعلّ هذا هو السبب في كثرة القوابل المسلمات وأعان على هذا الميل العام للتطبيب الفنّي.
ليست البنت الجزائرية مدفوعة عن الذكاء بل الأمر بالعكس، فقد شهد لها الرجال القائمون على التعليم الفرنسي بالذكاء الخارق، ولكن الذي أخّرها عن السبق عوامل اجتماعية ودينية ما زال لها شأن عظيم في المجتمع الجزائري.
هذا هو ما سمّيناه بالفجر الكاذب لتعليم المرأة الجزائرية، وقد أتى رغم ذلك هذه النتائج الطفيفة، ويقيننا أنه يأتي بنتائجه الكاملة بعد أن جاء الفجر الصادق.