للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمنكر، وما يربي تلاميذه إلّا على الأفحش والأنكر، فكانت فرنسا هي الصفوة المختارة في الشر وإنّي لأَعْلَم ان في الشرقيين من ينكر عليَّ هذا الحكم، ويجادلني فيه بالتي هي أخشن، ولو نضى عن نفسه ثوب الاغترار بمظاهرها، ورأى ما تفعله فرنسا المتمدنة العالمة المعلمة بإخوانه الآدميين في الجزائر لأقلع فورًا عن كل ما كان يعتقده فيها تقليدًا أو افتتانًا بمدنيتها الزائفة، واستغفر سبعين مرة في الدقيقة الواحدة من كل ما كان يضمره من الاحترام لها.

إن فرنسا لم تفعل بالجزائريين يوم احتلالها لوطنهم قبل قرن وربع قرن إلّا بعض ما فعلته بهم في هذه الثورة الأخيرة، فقد سجل الجنرال سنتارنو ( Saint-Arnaud) من قادة الاحتلال الفرنسي في رسائله ما كان يرتكبه الجنود الفرنسيون مع الجزائريين من موبقات تقشعر لها الجلود من تقتيل جماعي للأبرياء وإضرام النار في الكهوف التي يأوي إليها أولئك المساكين، حتى يموتوا حرقًا واختناقًا هم وأنعامهم، أما العسكريون الفرنسيون اليوم فإنهم أربوا على سلفهم وتفننوا في ارتكاب الجرائم مع العزل والنساء والأطفال، ما يخطر على قلب بشر، وقد استفاضت أخبار هذه الموبقات في العالم وعلم كل الناس كل حادثة في حينها حتى أصبح من اللغو إعادة الحديث عنها، ويا ليت الجيش الفرنسي العامل في الجزائر حين سلب الرحمة والإنسانية، ولم تبق فيه إلّا لذة القتل والتمتع بمناظر الدماء والأشلاء وتشنيف الأسماع بأنين الجرحى والمعذبين ... ليته إذ كان كذلك قتل القتل الوحيّ لا البطيء، وقتل من يحمل السلاح في وجهه، إذن لكان له بعض العذر، ومع هذه المواقف المخزية المجردة من معاني الإنسانية تقف هناك من وراء المحيط الأطلسي أمريكا تنصر الاستعمار وتؤازره وتقف منه الموقف الحالي، فلا يكاد يهدد الاستعمار الأوربي بالانهيار، وهدم الجدار حتى تهرع أمريكا إلى ترميم جدرانه التي هدمت وتوفير أظافره التي قلمت وعلاج أنيابه التي هتمت، وللشرق مع الاستعمار وأنصاره يوم لا تطلع شمسه.

أيها الإخوان:

إن إخوانكم يستنصروكم فعليكم النصر، وإنهم يقاتلون لأجلكم فاعرفوا لهم حقهم في هذا القتال، وإن مواقفهم المجيدة في هذه الثورة شرفتكم جميعًا، وإن نصرهم نصر لكم، وإن فشلهم محسوب عليكم، وإن الاستعمار عدو لكم جميعًا، وإنه إن انتصر فسيذيقكم عذاب الهون جميعًا.

أيها الإخوان:

لا تخطبوا للجزائريين فقد شبوا عن طوق الخطب، ولا تنشدوا لهم القصائد فعندهم ما هو أفصح منها. إن العضيد الطرير في يد الشاب الضرير لأفصح من كل خطيب لقد خطبنا فيهم يوم كانت لهم آذان تسمع للخطب والأشعار، لنغمز إباءهم ونستثير حميتهم فلما تأثروا ثم ثاروا نطقت البنادق وسكت الخطباء والشعراء. إن شعراء الجزائر وخطباءها الذين أفلتوا

<<  <  ج: ص:  >  >>