للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يذكر المسلمون ذلك ويرافقونه - صلى الله عليه وسلم - بأفكارهم من خروجه من المدينة إلى بَرّ الظهران في الليلة التي أسفر صباحها عن الفتح، فيرون كيف أذعنت مكة في ساعة من نهار إلى حق قضت في معارضته وحربه نيفًا وعشرين سنة، ويذكرون ذلك الحلم النبوي الذي فعل في نفوس قريش ما لم يفعله الجيش بكتائبه وأسلحته، يذكرون معاملته لأبي سفيان وهو في قبضته ببَرّ الظهران، وإكرامه لمثواه وجعله لبيته مثابة وأمنا، وأبو سفيان هو جامع الناس لحرب محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد، ومحزّب الأحزاب لحربه يوم الخندق، وأحد المدبرين لصده عن البيت يوم الحديبية، ويذكرون عفوه بعد القدرة على هند بنت عتبة، وإن في صدره منها لأشياء من يوم أحد، وتأمينه لعكرمة بن أبي جهل وصفوان بن أمية وإجارته لمن أجارت أم هانئ بنت أبي طالب. كل تلك الخلال النبوية الجليلة مما تهب به هذه النفحات وتثيره هذه الذكريات، وتأتي المكرمة التي غطت على جميع المكارم، وهي منه على قريش كلها بعد أن أظهره الله عليهم وقوله لهم: «اذْهَبُوا فَأَنْتُمُ الطُّلَقَاءُ»، وهذه هي التي تحقق شهادتهم فيه بأنه أخ كريم وابن أخ كريم، كلمة جبر بها كسر قريش، وكسر بها حدة الذين لا يشفي غيظهم على قريش إلّا ضرب يزيل الهام عن مطيله.

وَلَوَ اَنَّ انْتِقَامَهُ لِهَوَى النَّفسِ ... لَدَامَتْ قَطِيعَةٌ وَجَفَاءُ

أما نفحة النفحات التي ما زالت تنعش المسلمين إلى قيام الساعة ويرفعون بها رؤوسهم فخرًا وتيهًا، فهي وضع قاعدة المساواة التي مات الأنبياء والحكماء وفي نفوسهم حسرة من عدم تحقيقها في العالم الإنساني، إلى أن جاء بها الإسلام وأعلنها محمد - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة فقال: «يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ نَخْوَةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَظُّمَهَا بِالْآبَاءِ، النَّاسُ مِنْ آدَمَ، وَآدَمُ مِنْ تُرَابٍ».

أما تحطيم الأصنام التي حول الكعبة فقد حطم مثلها أبوه إبراهيم الخليل، ولكن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - طهر النفوس من الوثنية قبل أن يطهر وجه الأرض من الأوثان، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>