للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ـ[الدور الرابع]ـ: حكم الأغوات من سنة ١٦٥٩ إلى سنة ١٦٧١، فمدّته ١٢ سنة.

ـ[الدور الخامس]ـ: حكم الدايات من سنة ١٦٧١ إلى سنة ١٨٣٠، فمدّته ١٦٠ سنة.

هذه إلمامة عاجلة بالعهد التركي في الجزائر، وتاريخ هذا العهد حافل بالأحداث، ملوّن بألوان الولاة، إذ كان منهم الظالم لنفسه وللناس، ومنهم المقتصد، ومنهم الصالح، ولكن صلاح الصالح منهم كان من ذلك النوع التركي الذي يظهر في بناء مسجد حيث تكثر المساجد، فلا يكون جامعًا بل مفرّقًا، أو في بناء ميضأة للوضوء أو سبيل للشرب أو إقامة ضريح أو قبّة لولي حقيقي أو وهمي، أو وقف مال على سبيل الخير، وهذا النوع هو أنفع أعمالهم لو دام.

أما تاريخهم السياسي والإداري، فصفحاته الأولى كانت مشرقة بأعمال بابا عروج وخير الدين الحربية وانتصاراتهما فيها، وقد غطّت المحاسن فيها على المساوئ، واعتبرهما الناس منقذين للإسلام وأوطانه- وهو الحق- فلم تبقِ عين الرضى لعين السخط مجالًا، وجاء مَن بعدهما فخلطوا عملًا صالحًا وآخر سيّئًا، وطال العهد فثقلت الوطأة وساء الجوار، وفشت الرشوة والمصادرات وسفك الدماء ففسدت القلوب والنيّات، واختلّت الأحوال تبعًا لاختلالها في أهل الدولة العثمانية، فعمّ الظلم من الولاة وأتباعهم إلى آخر موظف في الدولة، واستبدّ كل وال بالمقاطعة التي يحكمها من المقاطعات الثلاث قسنطينة والجزائر ووهران، وكانت آثار تلك الحالة في الأمّة شقاقًا وتمرّدًا على النظام وسوء أخلاق، ومع ذلك التناهي في فساد الإدارة وانفصام العلائق بين الحاكم والمحكوم، فإن قوة الجزائر العسكرية كانت مرهوبة عند خصومها اللاتينيين حتى أن بعضهم كان يستعدي الجزائر على بعض، وكان يستنجدها فتنجده عسكريًا، ويستتقرض منها المال فتقرضه، وكان استقلال الجزائر بذلك محفوظًا في الخارج، وإن كان ضائعًا في الداخل، وكان ضياعه في الداخل هو الذي مهّد للطامة الكبرى، وهي احتلال فرنسا للجزائر.

وأما الحالة العلمية في ذلك العهد فهي الصفحة المغسولة من ذلك التاريخ، بل هي الصفحة السوداء في تاريخ الجزائر العلمي، فما رأت الجزائر عهدًا من عهودها أجدب من العهد التركي في العلم، ولا أزهد من حكوماته فيه، ويعلّل كثير من الناس ذلك بأن من خصائص الشعب التركي أنه شعب حرب لا علم، وقد يكون هذا التعليل قريبًا من الحق، لأنه اطرد في كثير من الشعوب التي حكموها باسم الخلافة الإسلامية، يعنيه شوقي بقوله فيهم:

رفعوا على السيف البناء فلم يدم ... ما للبناء على السيوف دوام

ومن العجيب أن تكون الدول البربرية التي قامت بالجزائر أحفظ لذمام العلم واللغة العربية من دولة الخلافة الإسلامية، فالدولة الرستمية والدولة الصنهاجية والدولة الزيانية جرت

<<  <  ج: ص:  >  >>