بالبرهان، وتلجأ إليه كلما تقاربت صفوف الأمة وأوشكت أن تتراص، لترميها منه بالخلل والخلاف والتضريب والتشغيب.
هذا الأسلوب هو أنها تعمد في الأزمات إلى سلاح مفلول أكله الصدأ، فتنفض عنه الغبار وتصقله وتجلوه وترمي به في الميدان، والعجيب أنها تفعل ذلك وهي ليست على ثقة من نجاحها به ولا من نجاحه بها ...
وما هذا السلاح في حقيقته إلا طائفة رباها الاستعمار على الطمع الخسيس، وما يلده الطمع من خنوع واستكانة، وراضها على التقليد له والائتمام به، وطبعها على الإخلاص له والتفاني في خدمته، وسلخها من هذه المعاني التي يعتز بها الرجال، من الضمير الوطني، والشعور الديني، والقيمة الشخصية، والإرادة المستقلة، ودرجها في مدارج (التسليك) الحكومي إلى مقام التجرد والفناء؛ فلما تمّ له ذلك منها، وأصبحت منه كالميت من غاسله، صرفها في أغراضه، وسخرها في مصالحه، واتخذ منها وسائل لغاياته؛ فتارة يثير بها الغبار في وجوه العاملين، وتارة يلهي بها الأمة والألسنة والمجالس، ليشغلها بالباطل عن الحق وبغير المفيد عن المفيد؛ وتارة يقيم منها ضرارًا للحق وضرة لأهله، وهو في كل ذلك يلتمس بها ما يلتمسه المبطل إذا خانته الحُجة.
لا تعجب إذا كان الاستعمار لا يجد مبتغاه إلا في طائفة مخصوصة هي المذكورة في العنوان، ولكن تأسف لهذه الطائفة التي تمكن للاستعمار أن يعبث بكرامة الدين، فيستخدمها باسمه، وأن تكون لها- مع هذا- دعوى في الدين ولو كدعوى آل حرب في زياد، أو نسبة إليه، ولو كنسبة عقبة ابن أبي معيط في أمية (١).
...
عرفنا هذا من الإدارة الاستعمارية حتى ما يغالطنا فيه أحد؛ وعرفنا من هذه الطائفة أنها كانت في تاريخ الاستعمار طلائع لجنوده، وأعمدةً لبنوده، وشباكًا لصيده، وحبائل لكيده، وأنها كانت وما زالت، في المواقف الوطنية والأزمات القومية، داعية هزيمة ووسيلة تخذيل، وأنّ من المخجل أن نسمي أفرادها أناسيّ تعقل وتعي وتشعر؛ وإنما هي آلاتٌ وأدَوات تسخّر
١) عقبة ابن أبي معيط ابن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس، كان من أسارى بدر، ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعرق الظبية في رجوعه إلى المدينة أمر فقتل صبرًا وخلبًا ولما أيقن أنه مقتول قال: أأقتل من بين قريش صبرًا، فقال له رسول الله: إنما أنت يهودي من أهل صفوريا، لأن الأمة التي ولدت أباه كانت ليهودي من صفوريا، وقال له عمر: (حنَّ قِدْحٌ ليس منها) يعني أنه ليس من قريش.