للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتسير، وعرفْنا في قائدها الجديد، وحامل رايتها عبد الحي الكتاني، أنه كالدرهم الزائف لا يدخل في معاملة إلا كان الغش والتدليس واضطراب السوق؛ وأنه لا يعرف العالي والنازل، والمُدَبَّج والمرسل، إلا في رواية الحديث، ولا يعرف زين الدين وابن الصلاح إلا في رجال المصطلح والآثار، أما مع الاستعمار فإنه لا يعرف إلا التلقي والمباشرة والاتصال، وأنه تاجر بارع في المقايضات باسم الدين والعلم والطرُقية؛ والتاجر الحاذق لا يعجزه إذا بارَتْ سلعته في موطن أن يضرب في الأرض وأن يشدّ الرحال.

...

في شهر يناير الماضي تداعى الأئمة وحواشيهم العليا والسفلى إلى عقد اجتماع في الجزائر للنظر- زعموا- في المصالح الخاصة بهم وفي الوسائل التي يحفظون بها تلك المصالح؛ فقال الناس- وللأئمة علينا عهدُ الله أن لا نحكي إلا ما قال الناس وما جاءتنا به الرسائلُ الكثيرة المستفسرة- قال الناس: ما حاجة هؤلاء إلى الاجتماع وليس لهم بعادة؟ وأية المصالح يخشون عليها الضياع؟ أمصالحهم الشخصية؟ أم مصالح الدين الذي يمثلونه؟ وهل جمعيتهم التي أسفر عنها الاجتماع نقابة موظفين؟ فيكون من واجباتها أن تضرب عن العمل إذا لم تستجب رغائبها في زيادة الأجور، وأن تحتج وتنذر وتتوعد إذا نزل الحيفُ بعضو من أعضائها؟ وهل تستطيع جمعية الأئمة أن تفعل شيئًا من ذلك؟ الناس يقولون: لا، ويقولون أيضًا: ما عهدنا هؤلاء القوم يتحرّكون إلا بمحرك، ومن عسى أن يكون هذا المحرك؟ وأيّ ذوق وأية كياسة زَينت لهم اختيار هذا الظرف للاجتماع؟ والأمةُ مقبلةٌ على أمور ذات شأن في حياتها وسائرة إليها في طريق كله عواثير، وواضعة نصب عينيها غايةً واحدة من شذّ عنها شذّ في النار؟ أليس هؤلاء المؤتمرون من الأمة؟ أليسوا أئمة الأمة؟ وهذه المجلة التي قرروا إصدارها- وما نراها تكون إلا لسان حالهم- فماذا ينشرون فيها؟ أتكون رسمية تنشر أوامر التولية والعزل؟ إن الأمر ليس بأيديهم وقد كفتهم الكافية؛ أم تكون رسميةً بمعنى آخر فتنشر الفتاوى الشرعية التي تعمر أوقات المفتين ليعمّ النفع بها، والخطب الجمعية التي يلقيها خطباؤهم ليقرأها من لم يسمعها؟ أم تنشر شروط الإمامة العصرية ومنها الاعتماد في التزكية على (الدوسي)؟ هذا بعض ما يقوله الناس، وما نقلنا إلا القليل. وما لنا فيه إلا الرواية العادلة، وهي- كما يرى القارئ- أسئلة تتقاضى أجوبتها من المؤتمرين؛ ولو صرحوا وأوضحوا من أول يوم لما كان لأكثر هذه الأسئلة من محل؛ ولكنهم سكتوا وأجملوا، وهموا ولم يفعلوا، وأعلنوا عن تشكيلات سطحية إن دلت على شيء فهو أن المؤتمرين ليس لهم من الأمر شيء، وأنهم مسيرون لا مخيرون؛ فحامت حولهم الظنون، ثم اقتحمت الأسوار وكأنها حقائق؛ والذنب ذنبُ الزمان المتوثب المتيقظ الحساس

<<  <  ج: ص:  >  >>