للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصاخب، فمن ظنّ أنه يعمل فيه بمنجاة، ومن جاء يعرض فيه البضاعة المزجاة، كلاهما مغفل مغرور.

...

وفي ١٥ مارس الماضي انعقد مؤتمر رجال الزوايا: ومما دل الناس على أن هذا من ذاك، وأنهما معمولان لعامل واحد- كما يقول النحاة- وقوعهما في ظرف واحد، وخلوهما من الكياسة وحسن الذوق واحترام شعور الأمة؛ ثم جاءت خاتمة الدلائل على اتحادهما في المنشإ والغاية وهي إقامتهما في مقبرة واحدة (٢).

بلغنا ما وقع في المؤتمر الأوّل بالتفصيل؛ وهو عبارة عن تلك الشكليات التي أشرنا إليها مما يدلّ ظاهره على هزل لا جدّ فيه، ولولا كلمات علمية ألقاها بعض العلماء منهم لكان المؤتمر أشبه شيء باجتماع عادي في مقهى، ووددنا لو تكلم مفتي تلمسان وألقى درسًا، ولو فعل لطوّقنا منة لا يقوم بها الشكر، إذ يقوم عنا بالعذر فيما عسى أن يحسبه بعض الناس علينا في باب التحامل، ويقوم لنا بالحجة على ما صنع الاستعمار بهذه الوظائف الشريفة من التبذّل والسقوط؛ ونعتقد أنه لو تكلم وسمعه زملاؤه لاستعفى العارفون منهم بقيمة الوظيفة وشرف العلم في الحال، أنفةً منهم للعلم والوظيفة أن يشركهم فيهما مثل ذلك المفتي.

وبلغنا ما وقع في المؤتمر الثاني بالتفصيل أيضًا، حتى أسماء الحاضرين والخطباء وما خطبوا، وأنهم تواردوا على معان متقاربة في غايات الاجتماع الظاهرية وهي جمع الشمل وتجديد العهد وخدمة العلم بالتعليم، وكان من كياسة الرئيسين (الدائم والهائم) (٣) أن بالغا في إخفاء الغاية الحقيقية، حتى قام طالب مأجور يعدّونه من أتباع الأتباع، فذكر جمعية العلماء بوصفها القديم الذي كانوا ينبزونها به، وهو أنها جمعية وهابية، وأنها تريد التسلط على المساجد لتوظف فيها أتباعها الوهابيين؛ وبهذه الكلمات كشف ذلك الطالب (غير المسؤول) عن بعض الحقيقة وتعجّل البوح بما ضاق عنه صدره لأنه إمام، والعرب تقول: "شر أهرَّ ذا ناب"؛ ونحن لا يهمنا ذلك كله كما لا يهمنا ما نشرته الجرائد الفرنسية من مقاصد وغايات، لأننا نعلم الحقيقة علم اليقين.


٢) هي مقبرة الشيخ محمد بن عبد الرحمن الجرجري، صاحب الطريقة الرحمانية المنتشرة بالجزائر وتونس.
٣) كان هذا الاجتماع تحت رئاسة اثنين: الدائم مصطفى القاسمي، والهائم عبد الحي الكتاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>