للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جاربين في ناحية، والمقاومات الخفية والعلنية ممن لا يخافون الله جارية في ناحية ثالثة إلى أن غلب الحق على الباطل والعزيمة على التخذيل. وفتح المعهد أبوابه بعد شهرين من بداية العمل، والحمد لله الذي وفق وأعان، والشكر للأمّة التي شبّت على الحق، وعرفت العاملين للحق فأيّدت ونصرت.

...

وأما الإدارة فقد كانت- في رأيي- وما زالت أصعب من المال. لأن الصورة الكاملة التي يتصوّرها ذهني للإدارة الرشيدة الحازمة اللائقة بهذا المعهد العظيم، نادرة عندنا. ونحن قوم نقرأ لكل شيء حسابه. ولا نقدّم لجلائل الأعمال إلا الأكفاء من الرجال. وقد كنت مذخرًا لإدارة المعهد كفؤها الممتاز وجذيلها المحكك الأخ الأستاذ العربي التبسي الذي كانت تمنعه موانع قاهرة من تولّي الإدارة ومن الانتقال من بلده إلى قسنطينة، وكنت أقدّر تلك الموانع، وأزنها بميزانها الصحيح، وأراها بمثل العين التي يراها بها. فكيف العمل؟ العمل هو جعل تلك العوامل كلها عاملًا واحدًا وتفتيته حتى يصير ذرات، أرضينا سكان تبسة الكرام الذين كانوا يعدون انتقال الأستاذ التبسي عنهم كبيرة يرتكبها من يتسبّب فيها، وأقنعناهم بأن الشيخ العربي رجل أمّة كاملة لا بلدة واحدة. ورجل الأعمال العظيمة لا الأعمال الصغيرة. فاقتنعوا. وأمنا لهم مشاريعهم العلمية والدينية، بإيجاد من يخلف الأستاذ فيها فرضوا مخلصين. وقد كنت قبل ذلك كله تلطفت في الحيلة على أخي الشيخ العربي لما أعتقده من إخلاصه الكامل في خدمة أمّته، ومن تقديره لجهود أخيه هذا. وذلك أنه لما هوّل عليّ قضية المال الذي يتطلبه المعهد في شرائه وتعميره، هوّنت عليه القضية وهوّلت عليه شأن الإدارة إذا لم يقبلها هو، فلم يجد بدًّا من تهوينها عليّ إخلاصًا منه ومقاسمة للعبء مع أخيه. وإن أنس فلا أنس قوله لإخوانه المشائخ المدرّسين يوم اجتمعنا لنقرّر منهاج السير في التعليم.

أيها الإخوان:

"إن التعليم بوطنكم هذا، وفي أمّتكم هذه ميدان تضحية وجهاد، لا مسرح راحة ونعيم. فلنكن جنود العلم في هذه السنة الأولى، ولنسكن في المعهد كأبنائنا الطلبة، ولنعش عيشهم: عيش الاغتراب عن الأهل. فانسوا الأهل والعشيرة ولا تزوروهم إلا لمامًا. أنا أضيقكم ذرعًا بالعيال للبعد وعدم وجود الكافي، ومع ذلك فها أنا فاعل فافعلوا. وها أنذا بادئ فاتبعوا". فكانت كلماته هذه مؤثّرة في المشائخ، ماسحة لكل ما كان يساورهم من قلق ... ومضت السنة الدراسية على أتمّ ما يكون من النظام الإداري، وعلى أكمل ما يكون من الإلفة والانسجام بين المشائخ بعضهم مع بعض، وبينهم وبين

<<  <  ج: ص:  >  >>