للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وشعر أبي اسحاق بن خفاجة الذي لو كتب عنوانه "روضة وغدير" لكان أصدق عنوان.

وشعر شوقي في الآخرين لما فيه من سمات التجديد، ومنازع التوليد، وصدق التمثيل لعصرنا هذا بما فيه من عظمة المادة، وسموّ الإدراك وتقدّم العلم والمعرفة والوفاء للأسلاف الذين أصلوا الحضارة، وخلّدوا المؤثرات التي طاولت الدهر ولاتساع جوانبه للانسانية كلها.

هذا كله في أحد ركني الأدب وهو الشعر، وأما النثر فأهم الكتب التي تركت في نفسي وفي ملكتي آثارًا لا تمحى- كتاب البخلاء للجاحظ لإبداعه في تصوير نقيصة البخل ولنفسية البخلاء وجمعه لنوادرهم في البخل، وانقياد اللغة له في الحديث عن الغرائز والأخلاق، وتعمّقه في فهم طبقات الناس، ثم كتاب الحيوان له لجمعه بين العلم والأدب، وإحاطته بكل ما يتعلق بالحيوان من طباع وغرائز مختلفة وأقوال الحكماء والشعراء فيه، ثم كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني، ولا تسألني عن خصائصه التي أثرت في نفسي وجلبت قيادي إليه حتى تركتني أجدّد قراءته من أوله إلى آخره في كل عقد من سني عمري وكلما قرأته تجددت آثاره في نفسي وتجاوبت أصداؤه بين جوانبي فبعث فيّ روحًا جديدة- لا تسألني عن ذلك فكل أديب قرأه وكرّر قراءته وجد في نفسه من التأثّر مثل ما أجد، أو فوق ما أجد، وتجددت عنده صوره من روعة الأدب العربي وجلاله.

هذه هي أمهات الكتب الأدبية التي أثّرت في نفسي بعد تأثّري بأمهات الكتب الدينية الصحيحة، وأصلها كلها كتاب الله.

إن الكتاب الذي يقرأ كالطعام الذي يؤكل، فطعام يعطي آكله القوة والفراهة، وطعام يعطي آكله الضعف والهزال، وان المتبحّر في قراءة الأصول الأدبية في أدبنا العربي بمعناه الواسع العام لا يعرف في أدبائنا الناشئين أثر الكتب التي قرأوا وما قرأوا إلا النزر اليسير.

نصيحتي الخالصة للأدباء الناشئين أن يوفوا حظّهم من قراءة الكتب العامرة التي تقوى بها الملكة، ويفحل الطبع وتزكو الثمرة، فإني أرى في كثير مما أقرأ هذه الأيام من الآثار الأدبية لناشئتنا أعراضًا تشبه أعراض فقر الدم في الأجسام: نحول واصفرار.

<<  <  ج: ص:  >  >>