للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجب أن تتضافر الشعوب العربية على إلحاق آخر قافلتهم بأولها، فإن بين الطرفين بعدًا بعيدًا في الثقافة والتفكير والاتصال بالعصر وأسباب الثروة وفهم الحياة وأوضاع الاجتماع، وان هذا التباعد هو أقوى أسباب التنافر بينهم.

ويجب عليهم أن يجتهدوا في تكوين رأي عام في كل شعب عربي ليسهل عليهم تكوين رأي أعمّ يوجّه ويرشد وينشئ ويخاف ويرجى، فإن بعض الشعوب العربية لم يتكوّن فيها رأي عام إلى الآن، وما زالت تسيطر عليها النزعات الفردية التي هي علامة التفكّك، وأساس التخاذل، وبعض شعوبهم وجد فيها رأي عام ولكنه لم ينضج. والرأي العام لا ينضج إلا في ظل الاستقرار والثقافة الهادئة الموحّدة، وسدّ الأبواب عن التيارات الأجنبية الهادمة مثل الشيوعية، والمذاهب الفكرية الأوربية التي تبلبل الأفكار.

...

نعم ودّعنا عامًا. ولكننا ودّعنا هذا العام غير مأسوف عليه لأنه لم يأتنا بشيء جديد ولم يطلع علينا شموس أيامه وأقمار لياليه بمفيد، ورمتنا أحداثه بما يؤخر ولا يقدم، ويبعد الآمال ولا يقربها، ولم يرنا في أعدائنا المستعمرين ما يسرّ، فلا يزالون متنمّرين علينا ممعنين في استعبادنا، وأضعفهم- وهي فرنسا- لا تزيد على الضعف إلا فتكًا بنا واستعبادًا لنا، وخنقًا لحريتنا الشخصية، فضلًا عن الحرية العامة، وتصاممًا عن طلباتنا، نسالمها حينًا عسى أن نصل إلى حقوقنا الطبيعية بالسلم والعقل فتقتلنا باسم المدنية والتمدين، ونثور عليها فتقتلنا باسم الثورة والخروج عن السيادة، ولم يبق لنا بعد أن سدّت علينا منافذ الحياة إلا أن نموت شرفاء، وإن لنا معها ليومًا، وان ساعة الحساب لقريبة إن شاء الله.

نعم ... وطوينا صفحة من حياتنا، ولكننا لم نسجّل فيها كلمة شرف ولا جملة فخر. ان الأمة المستعدة للحياة هي التي تكتب تاريخها بيدها كلمة كلمة وسطرًا سطرًا وصحيفة صحيفة، من مقدمته إلى خاتمته، كما كتب أجدادنا العرب وأسلافنا المسلمون.

ان التاريخ شهيد فإما لنا وإما علينا، ومن المحزن أنه شهيد علينا بالتخاذل والتفكك والركون إلى لغو القول وصغائر العمل وهو لا يسجّل إلا جلائل الأعمال.

هذا بالنسبة إلى أوطاننا الخاصة، أما وطننا العام فهو كلّ والكل بأجزائه، وهذه الأجزاء كلها جمعتها الآلام، فجمعتها الآمال، ويسرّنا أن هذه الآمال قويت في النفوس وتجاوزت الخاصة إلى الجماهير الشعبية وهي مناط الرجاء، فإذا عمّ هذا وتغلغل وصحبه من الأعمال ما يقوّيه تحققت الأماني، أما الآمال من غير أعمال فإن الأعوام تمرّ عليها وهي مُعرضة، وكما مرّ علينا هذا العام ولم نسطر في صحائفه سطرًا، ولم نسجّل في أيامه عملًا، يمر ثان

<<  <  ج: ص:  >  >>