وخصلة أخرى ذميمة ركبت كل الكاتبين الغربيين حين يكتبون عن الشرق عمومًا، وعن الإسلام والمسلمين خصوصًا، وهي القصور في الاستقراء، والعقم في الاستنتاج والسطحية في التفكير، فنراهم يقفون على الجزئيات فيجعلون منها كليات، ويبنون عليها أحكامهم، ويوهمون قرّاءهم من بني جلدتهم ومن تلاميذهم منا أنهم استقرأوا ذلك الموضوع استقراءً تامًا، وخرجوا منه بحكم لا ينقض، وعلى هذه الطريقة الخاطئة والمنهاج الأعوج درج أولهم وآخرهم، ومن كتب منهم في التشريع الإسلامي، ومن كتب في تاريخ الإسلام، وكل من كتب في فروع الشرقيات، وان لهم لخطيئة أخرى علتها الغرض والهوى والجهل مجتمعات، - وهذا الثالوث إن اجتمع كان آفة الفكر وجائحة التاريخ- وهي أنهم يحكمون على الإسلام بأعمال المسلمين وأحوالهم المخالفة له، ليتوصلوا إلى غرضهم في تنقص الإسلام والازراء عليه والحط منه، ولا يريدون أن يفهموا أن الإسلام شيء وأن المسلمين شيء آخر، ولو فهموا هذا لفهموا معه أن المسلمين لو أقاموا دينهم ومشوا على صراطه السوي لما طمع الغربيون من أوطانهم في قلامة ظفر، ولما ظفر هؤلاء الباحثون الحاقدون بثغرة يدخلون إليهم أو ينفذون إلى دينهم منها، ولو جارينا هؤلاء الباحثين المسيحيين في منطقهم هذا وكايلناهم صاعًا بصاع لقلنا لهم: ان الاستعمار الذي هو رجس من عمل الشيطان محسوب على المسيح، وان محاكم التفتيش نسخة من أعمال المسيح، ولكننا لا نجاريهم، لأننا نعلم من كمالات المسيح وتعاليم المسيح ما لا يعلمون.
ثم دخل عامل جديد على مباحث الغربيين المتعلقة بالإسلام، وهو السياسة الاستعمارية المبنية على إذلال المسلمين وابتزاز أموالهم واحتجاز خيرات أوطانهم، فكان من أسلحة هذه السياسة، بعد الحديد والنار وتشويه الإسلام وتقبيحه في نفوس أبنائه الجاهلين به، وتشجيع الخرافات لإفساد عقائده، وإلقاء الشبهات في كثير من حقائقه، وتزهيدهم بكل الوسائل في أحكامه حتى يهجروها، وإذا زاغت العقائد وهجرت الأحكام وسادت الخرافات فأي سلطان مادي أو معنوي يبقى للدين على نفوس معتنقيه؟ وهذا هو الذي يرمي إليه الاستعمار في كل ما يكتب عن الإسلام وفي كل ما يعامل به المسلمين، وقد بلغ مراده منا لولا هذه الهبّة الأخيرة التي لاحت تباشيرها ونرجو أن يتم تمامها، ويحسن ختامها.
كان طبيعيًا للدول المسيحية المستعمرة أن تجنّد جنودًا لفتح الأوطان، وتجنّد جنودًا أخرى لفتح الأذهان، فكان الجند الثاني مؤلفًا من هؤلاء الباحثين الذين يكتبون في شؤون الإسلام، فتصدّى فريق منهم لتشويه التاريخ الإسلامي، وفريق للطعن في أحكامه، والقدح في فضائله، وفريق لفتنة الأجيال الناشئة من أبنائه ببريق الحضارة الغربية، ويصحب ذلك كله تحقير الشرق وحضارته وعلومه، وفي مقدّمتها حضارة الإسلام وعلومه، وان هدفهم في كل أعمالهم هو الدعائم التي تبنى عليها الأسرة الإسلامية، ينالونها بالتوهين ثم بالهدم، لعلمهم