هذا الضيف الكريم هو إنعام الله خان، الكاتب العام للمؤتمر الإسلامي الذي سينعقد في شهر فيفري القادم في كراتشي عاصمة الباكستان تحت إشراف الشعب الباكستاني. والأستاذ إنعام الله خان يمثل ديموقراطية الإسلام الصحيحة، فهو يتمنى الخير لجميع الناس بشرط أن يكون حظ المسلمين من ذلك الخير موفورًا، ومكانتهم بين الناس محترمة، وهو مزهو باستقلال بلاده كما هو مزهو باستقلال أندونيسيا وليبيا، وهو لا يدين بالوطنيات الضيّقة المحدودة وسفّه أصحابها، وهو يرى أن القوتين المتناحرتين في العالَم، المتعاونتين - بقصد أو بغير قصد- على إزعاجه وترويعه، سائرتان بالبشرية إلى الإبادة والاستئصال، وأنه لا ينجي العالم من شرّهما إلاّ واسطة قوية ذات خصائص روحية فعالة، هذه الواسطة هي الإسلام في مثله العليا لا غيره، يحقّق مطالب الروح والجسم معًا، ويؤلّف بين ما نراه متنافرًا منها، ويقمع الغرائز الحيوانية فيردّها إلى الاعتدال، والاعتدال هو الحلقة المفقودة في تينك القوتين. ويقول: لو أن عقلاء الأمم، المشفقين على العالم الإنساني، المتشائمين من حالته الحاضرة، أدركوا هذه الخصائص في الإسلام، لَأتوا إليه مذعنين، ولَحكموه فيما شجر بين الفريقين، ولو فعلوا لَوجدوه الحكم الذي ترضى حكومته، لأنه يحقّق لكل فريق رغبته، بطريقة لم تخطر على بال مصلح.
والأستاذ إنعام الله خان يقوم برحلة طويلة في الأقطار الإسلامية داعيًا إلى المؤتمر الإسلامي، فبعد أن أقام في "لايك ساكسس" من أمريكا، داعيًا لمصلحة دولته في قضية كشمير، مرّ بلندن ثم بباريس، وهنالك زار وفد جمعية العلماء، واجتمع بكثير من رجالات المغارب الثلاثة، ومن هناك بدأ برنامجه في زيارة الأقطار الإسلامية، فزار المغرب الأقصى ومكث فيه ثلاثة أيام، ولقي من إخواننا هناك حفاوة شرحت صدره وأنطقته بالشكر، ثم زار الجزائر- على ما سنصف- ومنها إلى تونس فليبيا، فالقاهرة، فأنقرة، فدمشق، فبيروت، فبغداد، فكراتشي.
...
كان هذا الضيف المحترم على وعد مع رئيس جمعية العلماء باللقاء في الجزائر، عيّنا فيه اليوم والساعة منذ اجتماعهما في باريس، فلما كان مساء يوم الخميس ٢١ ديسمبر الماضي ذهب الرَّئِيسُ لاستقباله في مطار الجزائر (ميزون بلانش)(١) وكان في اسقباله أيضًا جماعة من رجال الحركتين الوطنيتين، فحيوه جميعًا وهنأوه بسلامة القدوم، وتجلت الأخوة الإسلامية، فكأنه لم يكن ضيفًا حلّ ببلد غربة، وانما هو جزائري غاب ثم آب، ثم سار به موكب
١) "ميزون بلانش": كلمة فرنسية معناها "الدار البيضاء"، ويسمّى الآن مطار "هواري بومدين".