للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمسيّرة لنظمه، فتجعل البابين بابًا واحدًا، وتقول: هذا من باب ذاك ... هن حكومات، وأنا حكومة، وهنّ يتصرفن في الدين، فأنا أتصرف في الدين ... فتقيس مع الفارق، وتقف على "ويل للمصلين" ... ويغيب عليها في هذا البُحران أن تلك الحكومات إسلامية، فهي تمارس شؤون الدين، بحكم الدين، وتجري هي تصرفاتها فيها وتسييرها لها على أحكام الدين، وترجع في ما يشكل عليها إلى رجال الدين، وهم- بالطبع- ليسوا كعلماء دين الحكومة الجزائرية ...

علمنا هذا مما علمناه من أعمال الحكومة، وبلوناه من سرائرها، وجلوناه من جرائرها، واستنبطناه من تمسكّها الشديد، وتشدّدها الأعمى، وحيرتها واضطرابها في هذه القضية، ثم مما قرأناه في السطور (وبين السطور) في تقريرها الذي وسمته بالتقرير العاصمي.

وإذا ذكرت أن الشيء الواحد يتفق مصدرًا فإذا هو شيء واحد، كما تعقله وتفهمه، وتعرفه وتعلمه، ثم يختلف مظهرًا فإذا هو شيئان أو أشياء، كما تشاء الأهواء، إذا ذكرت ذلك فاذكر أن العاصمي في تقريره المملوء بالمنطق الأعوج، المبني على التاريخ الأعرج، معناه أن الحكومة استعملت المساجد (ورجالها) يوم استلمتها من يد المفتيين الحنفي والمالكي. فمن العدل (ومن المطابقة) (ومن مراعاة النظير) أن ترجعهما إلى المفتيين (يعني الحاليين) أو (يعني مفتيًا واحدًا من الحاليين).

واسأل العرّافين: لو لم يكن العاصمي مفتيًا، أو لو عُزل عن الإفتاء، أكان يرى هذا الرأي؟ يقول كل عرّاف: لا. ويقولون أيضا: إن العاصمي لا ينطق عن هواه وإنما ينطق عن وحي ساداته ومواليه. وليس هذا الرأي ابن يومه، ولا ابن التقرير، وإنما هو ابن سنين. فقد زارني العاصمي مبكرًا متنكّرًا منذ سنوات، وكان يومئذٍ يحضر جلسات نادي الترقّي، ويشايع الأستاذ العقبي ظاهرًا على آرائه في القضية، فأفضى إليّ بهذا الرأي على أنه من بدائعه، وقال لي: إن مساعي العقبي ضائعة، وإنها ضرب في حديد بارد، وإن هذا الرأي هو الرأي المقبول المعقول. فقلت له ما معناه: إن المفتيين اللذين سلّما المساجد، سلّما ما لا يملكان. فعملهما ليس بحجّة علينا، وسلّما، وسيف الاستعمار مصلت على رأسيهما، فتسليمهما ليس بحجة علينا، وفعلا تلك الفعلة الشنعاء استسلامًا للجبن، واحتفاظًا بالوظيف والرغيف، وفعل المستسلم ليس بحجة علينا، وقلت له إن استلامكما لها لا يقل شناعة، ولا يختلف مقاصد وأغراضًا عن تسليمهما، وإذا تنازلنا قلنا: إننا لا نأمن أن تستلماها، فيأتي مفتيان آخران فيسلّماها، ما دامت حجتك دائرة على: مفتٍ يسلّم، ومفتٍ يستلم، وكلا عمليهما غير مشروع، وقلت له: إن الرأي في القضية للعلماء الأحرار وإن الحق فيها للأمة المسلمة، وإن المفتي الأول لا حق له في التسليم، وإن المفتي الأخير لا حق له في الاسْتلام، والأول

<<  <  ج: ص:  >  >>