للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبطل في العطاء والأخير مبطل حين يأخذ. وكلاهما موظف مأجور، أقلّ ما يقال فيه إنه متهم؛ ولو كان المفتيان اللذان سلّما المساجد والأوقاف إلى الحكومة مسلمين يخافان الله ويرجوان لقاءه لما أقدما على ذلك، ولآثرا الموت شنقًا على ارتكاب ما ارتكباه وأقلّ ما كان ينتظره الإسلام منهما- إن أكرها على ذلك- أن يسلّما الوظيفة لا المساجد؛ ولكنهما كانا أحرص على الوظيفة منهما على دينهما.

وقلت له: أتظن أن عملكما في الاستلام يعد تكفيرًا عن إجرامهما في التسليم؛ أم تظن أن عمل الحكومة في التسليم لكما يُعدّ توبة لها، من الغصب؛ أنتما موظفان لا تملكان لأنفسكما حرية، فكيف تُحرّران المساجد والأوقاف؛ إن الأمر متشابه الأواخر بالأوائل، وبعضه من بعضه، وإن تسليم الحكومة شيئًا لموظّفيها لا يكون معناه البديهي إلا تسليم الحكومة لنفسها؛ ومن القواعد المقرّرة في الفقه: العبد وما ملك لسيّده، ولا يتم تحرير المساجد إلا على أيدي الأحرار.

...

وهذه القضية هي أخت التي فرغنا من الحديث عنها بالأمس، كلتاهما مما تشتدّ جمعية العلماء والأمة في المطالبة بتحريره، لأن كلتيهما من صميم الدين، وقد كانت لنا في هذه مواقف مشهودة، كالتي كانت لنا في تلك، بل كنا نقرن بينهما دائمًا كشهادتي الإسلام إحداهما مكمّلة للأخرى، فلا نريد أن تبقى للحكومة يد ولا إصبع في تعليمنا العربي الديني، ولا في شعائرنا الدينية ولا في مساجدنا، ولا نريد إلا أن تكون الأمة حرة في دينها، مطلقة التصرّف في مساجدها وأوقافها وشعائر دينها.

وللحكومة في هذه القضية قوانين وقرارات متشابكة متناقضة كالتي في تلك، وفيها الظاهر، وفيها الباطن، وفيها ذو الوجهين، وفيها الصريح في الفصل، وفيها ما يقيّده، ولا نتشاغل بمناقشتها لأن الدستور الجزائري الأبتر قضى عليها جميعًا، وحسم القضية فصرّح بالفصل، ولم يبقَ إلا التنفيذ فوكّله إلى المجلس الجزائري فأبت حكومة الجزائر إلا أن تعكّر الصفو فركبت العظائم في تكوين ذلك المجلس، حتى جاء كما تهوى، ويهوى لها الهوى. وهي بعد ذلك دائبة على إبقاء هذه القضية وأخوات لها كما كانت؛ فأوعزت بالتقرير العاصمي لتوهم به النوّاب، ولكون أحد الأسباب؛ ثم عمدت إلى ألاعيب أخرى في الجمعيات الدينية؛ وليست مهزلة الانتخاب التكميلي للجمعية الدينية بالجزائر بآخرة المهازل، وسنناقش هذه المهازل وأصحابها الحساب. والأمة لا ترضى إلا بالفصل الحقيقي على الوجه الذي يسطره العلماء الأحرار، والمسلمون الأبرار.

<<  <  ج: ص:  >  >>