للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العلم، وثبات العمل وفي الإخلاص والجد والصرامة ومتانة الخلق وقرطسة الغرض، وفي الانقطاع لخدمة هذه الأمة التي قل خادموها، وكثر هادموها، فلما ألح عليه المرض وتواترت العلل، وأضناه الجهد، تنزى الاشفاق عليه والإشفاق على المعهد في صدور إخوانه، وتَجارَيا إلى غاية، فكان الإشفاق عليه أغلب، والنظر في تخفيف العناء عنه أصوب، فقام مقامه الأخ الأستاذ محمد خير الدين في إدارة المعهد وتسييره هذه السنة الثالثة نائبًا عنه، عاملًا باسمه، راجعًا إليه في الكليات، واستخدم الأستاذ خير الدين في الإدارة عقله وأناته وعمقه، فتكشف عن نشاط موفور، وفر عن كفاءة مدخرة، وتشظى عن مواهب كالجواهر صفاء ولألأة، وجلى في ميدان العمل وبرز، وما زال هذا الطراز الأول من رجال جمعية العلماء كالمذكيات في الحلبة، جريها غلاب، وما يزالون كالسيوف المأثورة تروع مغمدة ومصلتة.

وكأن الأخ التبسي عاهد الله أن يلقاه مقبلًا غير مدبر في ميدان الجهاد العلمي، فهو

- مع اضطراب صحته، ومع اضطلاع الأخ خير الدين بما حمل من شؤون المعهد- يتعهد المعهد بنفسه، ويشارك برأيه في كل شأن يجد وفي كل حادث يلم، وما زالت تومض على المعهد طوال السنة إشراقات من آرائه الصائبة، وتتوالى عليه إمدادات من توجيهاته السديدة، عجل الله له الشفاء، وأسبغ عليه أردية الصحة والعافية، وأقر به عين العلم والإصلاح، وشد به أزر إخوانه الذين لا يستغنون لحظة عن رأيه وعلمه.

****

أما كاتب هذه السطور فهو مشارك لإخوانه كلهم في ما تخصصوا له من شؤون المعهد، يسعى بذمتهم وهو أدناهم، ويحمل مع كل واحد منهم جزءًا من كله، بالرأي في الإدارة، وبالإرشاد في التعليم وبالدأب المتواصل في دلالة الأمة على هذا المشروع العظيم حتى تصوب إليه قلوبها، وتصب في سبيله جيوبها، وكان كلما تجهم في المعهد جو عاجله بالبشر والإيناس، وكلما ضاقت برجاله حيلة عالجها ببسط الأمل، ومن صحب الدنيا بغير هذه الخلال ضاق به رحبها، وكان مع هذه الأعمال الخالصة للمعهد لا يضيع حقًا من حقوق الجمعية ومدارسها وصحيفتها ومشاريعها المتشعبة، يمده في ذلك كله عون من الله واطمئنان من الضمير بأداء الواجب إلى أن طافت به في أخريات هذه السنة مضنيات من الأمراض، ومنهكات من الأتعاب فأقعدته عن تلك الواجبات الثقيلة، واثقلها تدبير الأموال اللازمة للمعهد، وحالت بينه وبين أحب شيء إليه وإلى القراء وهو الكتابة في "البصائر" حتى كادت تتداعى دعامة من دعائم المعهد، وهي الدعامة المالية، لولا لطف الله.

***

<<  <  ج: ص:  >  >>