للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يعد الاخوان كلهم، والأمة من ورائهم- تفضلًا منهم ومنها- هذا العاجز هو العامل الأقوى في قيام المشاريع العلمية من الناحية المالية وأنا- مع اعتزازي بهذه الذخيرة الثمينة من ثقة الأمة بي، وأمل الإخوان في- أصارحهم جميعًا بأن البناء الذي يقوم على شخص واحد متداع إلى السقوط، وأن الرجاء المعلق على جهة واحدة أيل إلى القنوط، وأنه قد آن للأمة أن تعلم أن هذا البناء الضخم من المدارس والمعاهد التي شادتها بدعوة من جمعية العلماء لا يتم تمامه، ولا ينتهي إلى غايته من الكمال، ولا يؤتي ثمراته بهذه الطرائق الهزيلة ذات الحدود المحدودة في جمع المال، وتلك الوسائل التي يوشك أن يملّها الناس فتتعطل المشاريع في لحظة كما يموت الميت بالسكتة القلبية.

إننا لا نثق ببقاء هذا البناء متين الأساس، ثابت الأركان، إلّا ببناءآخر من المشاريع ذات الريع القار يحفظ حياته، وأن يصحب هذا الجد من الأمة في الإنشاء، جد آخر في الاستمرار، وأن يصحب هذا النظر القصير في المبادىء نظر بعيد في الخواتم، "والأمور بخواتمها".

ونبدأ دائمًا في التمثيل بالمعهد، لأنه هو مرجع المدارس وهو المكمل لها، تقدم إليه الأمة أبناءها أطفالًا، وثتقاضاهم منه رجالًا، فهذا المعهد محتاج إلى أبنية كثيرة ليكمل ويؤتي ثماره: إلى دُورٍ لسكنى الطلبة، وإلى أقسام واسعة للدروس، وإلى فروع في العواصم لتقريب العلم إلى الطلاب، وإلى معهد خاص بالبنات المسلمات اللاتي شببن عن طوق التعليم الابتدائي وأصبحن يطلبن المزيد الحافًا، وأصبحنا نلاقي من الحافهن رهقًا، وترافق هذه المراحل للمعهد مراحل أخرى للمدارس، فقد أصبحت تتطلب معاهد واسعة للتعليم الثانوي تصل الخطوة الأولى الطبيعية بخطوة ثانية ضرورية، وأصبحت تتطلب معاهد لتخريج المعلمين، ما دامت معاهدنا العليا من الأزهر إلى القرويين تخرج لنا المعلم لا المربي، وما دامت مقصرة في إمدادنا بالكفاية والكفاءة ...

وهذا البناء الضخم- إن تم- يفتقر إلى بناء أضخم منه، يتألف من مشاريع مالية دارة

ذات ريع منظم مضمون، تلتقي في الغاية مع الوقف عند أسلافنا، وتزيد عليه بنظام العصر وألوانه، وتحفظ على المشاريع العلمية استمرار الحياة وقوتها وكمالها.

سيقول القانعون باليسير من جبناء العزائم وقصار النظر، المكتفون بالمخايل، وهي سراب، عن المعصرات، وهي شراب، ان هذا هول هائل، وقول لا تسعه إلّا لهاة القائل، ومرام صعب، تضيق به قدرة هذا الشعب، وأنا أقول لهؤلاء القانعين: إنني أخاطب أمة آمنت بالبقاء بعد أن توالت عليها نذر الفناء، وتلقت النداء من دينها وتاريخها فاستجابت للنداء، وأمة هذا شأنها وهذه حالتها- لا يعجزها أن تحقق وجودها واستحقاقها للحياة بهذه

<<  <  ج: ص:  >  >>