للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تاريخ حركتنا، وآراءه، فينا وفي غيرنا، فجاءت هذه الشهادة التي نقلناها من كلمته وكأنها وصية محتضر، يعترف بالخطأ، وينعى على حكومته سوءَ تصرّفها، ويُنذرها عواقب هذا التصرف، ويقول كلمة الحق في هذه الطائفة، وكأنه يقول كلمة الحق في نفسه ...

لا يهمّنا ما قاله عنا وعن حركتنا، ولا تهمّنا أغلاطه العلمية في أطوارها التاريخية، ولا تهافُت استنتاجه في القضايا الإسلامية، ولا جعله للجزئيات كليات، شأن الكتّاب الغربيين حين يكتبون عنا، وإنما يهمّنا من "مقاله" رأيه في أصحابه وصنائعه رجال الدين، الذين ذمّهم بما كان يمدحهم عليه، ووضعهم في مرتبة دنية، بالأعمال التي كان يرشّحهم بها للمقامات العلية.

قال ما ترجمته الحرفية:

"إن خطأنا الفاحش في سياستنا الدينية منذ عشرين سنة، هو أننا تساهلنا في وجود موظفين دينيين في المساجد، يسيطر عليهم الجهل المركّب والطمع وعدم التهذيب، ولا حدّ لرغباتهم في أن يُحمدوا بما لم يفعلوا.

فعدم الكفاءة، والمبالغة في الخضوع والانقياد، هي الشهادات الوحيدة التي يمكن لهم أن يعتزّوا بها.

لقد رأينا مفتيًا يستفتي الطيب العقبي في موضوع صبياني، حكم فيه علماء الدين أكثرَ من مائة مرّة، لكن هذا المفتي كان جاسوسًا مخبرًا للبوليس، كما سمعنا أحد الموظفين الدينيين في مؤتمر عام يظهر فكرًا من الأفكار البالية التي يمجّها الذوق، حتى انفجر زملاؤه التونسيون والمغاربة ضحكًا لم يستطيعوا له دفعًا، لكن هذا الموظف الديني ممن لا يكادون يفارقون مكاتب البوليس، ورأينا أحد الحزابين لم تمكّنه معلوماته القرآنية التافهة من اتقاء أغلاط في الحفظ والتجويد لا تصدُر عن أقلّ المسلمين علمًا، لكن هذا الحزاب كان عونًا مأجورًا للانتخابات.

وهكذا ظهرَ في "الإسلام الجزائري" مراؤون لا همّ لهم سوى الامتثال إلى الظاهر من الأوامر، وزنادقة (يدافعون عما احتكروه من امتيازات)، ولا يقيمون لكبريات المشاكل وزْنًا، فأغلبيتهم مارقون من الدين جهلًا أو قلة إدراك.

وهكذا شاركنا في انحطاط "هيئتنا الدينية الإسلامية" معجّلين بإذلالها ... هذا هو الخطأ الكبير، والذنب الذي لا يغتفر، وإنا لنؤدّي اليوم ثمنه غاليًا".

(مقتطف من مجلة "البحر المتوسط"، جزء١١، جويليه - أوت ١٩٥١).

هذه شهادة الرجل في أصحابه، ولا يستطيع أحدٌ تجريحها، لأنها شهادة صاحب في أصحابه، في شيء من صميم الصحبة الجامعة بينهم، ومن صلب الموضوع الذي كانوا مصطحبين عليه، ويا ليته زاد في التمثيل للوقائع الشخصية سرقة أكفان الموتى يوم كانت

<<  <  ج: ص:  >  >>