للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذه الدراسة الطويلة بنتائج جليلة يجب أن تدوّن وأن تكون دستورًا للعاملين، ولست بصدد تدوينها هنا، وإنما أسجل واحدة هي بسبيل مما نحن فيه؛ وهي أن هذه الأمّة أصبحت كالتاجر الحذر من تقلب الأسواق، لا يصارف إلا يدًا بيد؛ ومرجع ذلك فيها إلى أسباب معقولة، فقد ألحّ عليها الدجّالون باسم الدين قرونًا، وراضوها على أن تعطيَ ولا تأخذ، ولا تسأل لماذا؛ حتى قامت حركة الإصلاح الديني واكتسحت التخريف فحرّرت الأمّة من أولئك الدجّالين؛ ثم ظهر في الميدان دجّالون في صورة أخرى وباسم آخر وهو السياسة؛ والصنفان يلتقيان في نقطة، وهي أن بضاعتهما وعود غرارة، وبروق كاذبة، وخيالات لا حقيقة لها، وأماني لم تسلك لها وسائلها. ومقدّماتٌ لم تربط بها نتائجها؛ لا إصلاح لما فسد من الأخلاق، ولا تقوية لما ارتخى من عرى الأخوّة، ولا بناءٌ لكيان الأمّة بالتربية الصالحة والتعليم النافع؛ ويلتقيان أيضًا في نقطة أخرى وهي محاربة العلم ورجاله، ومقاومة التعليم بجميع أنواعه؛ والباعث للفريقين على هذا واضح، وهو أن العلم نور، وهم يعملون في الظلام، والعلم إيقاظ للأمّة، وهم يريدون بقاءها في النوم لينالوا منها ما يريدون؛ وقد فات كلًّا من الفريقين أن الإلحاح على الفريسة يخلق منها مفترسًا، وأن كثرة الوخز تثير الإحساس الكامن؛ وقد أصبحت هذه الأمّة على كثرة الوخز حسّاسةً مهتاجةً لا تصدّق إلا بالواقع، ولا تؤمن إلا بالمحسوس لما ألحّ عليها التدجيل الذي يعد ولا ينجز، والدجّالون الذين يأخذون ولا يعطون؛ وإن هذا الخلق ليزداد فيها تمكّنًا على الأيام؛ وسينتهي بها إلى أن تصفّي حسابها مع من لم يصفِّ حسابه معها، ولا يغترّ المغترّون بهذه الظواهر الهادئة، فما هي إلا أواخر فورة، وأوائل ثورة، {وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}.

<<  <  ج: ص:  >  >>