للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قد أصبح من عقائدنا الراسخة، بل أصبح من الحقائق الواقعة أن هذه الحكومة عاملة على إفساد تعليمها الرسمي لأبنائنا، وتصييره هيكلًا بلا روح، وحرمانهم في الأخير من مفتاح التعليم الثانوي. وهو "الشهادة الابتدائية". فهي تتعهد البرامج بالتنقيص من المفيد والزيادة من السفاسف. وهي تكثر بزعمها من التعليم الصناعي الآلي لتبعد أبناءنا عن منشطات الفكر والروح، وهي تكل تعليم أبنائنا- بدعوى الضرورة- إلى طائفة ليست لهم كفاءة المعلم، ولا شهادته، ولا مؤهلاته، ومن أغرب ما وقفنا عليه في أول هذه السنة الدراسية نسخةٌ من هذه الأوامر ... التي توجّه إلى مديري المكاتب الفرنسية، ومما فيها: الأمرُ بالتقدم إلى طلبة العربية الذين يعرفون القراءة والكتابة البسيطتين، وترغيبهم في تعليم العربية بالمكاتب الفرنسية. فما معى هذا؟ ومتى كانت المكاتب الحكومية الابتدائية تعلّم العربية؟ لا معنى لذلك إلا أن المطبخة دائبة على الطبخ.

ورأينا من آثار ذلك البرنامج، في كثير من المدارس الفرنسية، تمديد ساعات الدراسة المسائية إلى الساعة الخامسة، خلافًا للقانون السائر في جميع المدارس. ولا موجب لهذا إلا تفويت ميقات المدرسة العربية على التلميذ، وليتهم يعمرون له تلك الساعة بنافع مفيد، لكنهم يعمرونها بلهو فارغ أو بعمل شاق؛ ولقد مررتُ في شتاء السنة الماضية بقرية "بريكة" فرأيت بعيني تلامذة المكتب الفرنسي (المسلمين طبعًا) يجمعون الزيتون من بستان تابع للمكتب أو لإدارة المتصرف، وكان ذلك في الساعة الخامسة إلا ربعًا بالضبط.

وما يسّر على الحكومة وأعوانها تنفيذ هذه الأمور الشاذة، وتطبيقها بسهولة، إلا أصل أصلته. وهو عزل التلامذة المسلمين من زملائهم الأوروبيين في التعليم الابتدائي في مكاتب خاصة بهم، يطلقون عليها اسم " Ecole indigène" (١). ولو كانوا مع أبنائها لما عاملتهم هذه المعاملة. ولقد كانت الشهادة الابتدائية إلى وقت قريب تقسم على نمطين: أحدهما يعرف بنمط Titre indigène وكلمة (أنديجان) هذه في قاموس الاستعمار وفي ألسنة حماته الطغاة هي نبز وتحقير لهذا العنصر الشريف الذي أوقعته الأقدار، وتصرفات الفجار، في قبضة الاستعمار الفرنسي. فإن كذبتنا الحكومة وقالت إن التعليم واحد، والبرنامج واحد، فلتخبرنا: ما هي العلة في تخصيص أبناء المسلمين بمكاتب منبوزة بهذا النبز؟ أم هي تعد هذا من الديمقراطية الفرنسية؟ وقد عرفنا- بفضل الله- هذا الطراز من الديمقراطية، فعرفنا أنه مرادف للعنصرية السوداء اللون، العنيفة التأثير.

...


١) " Ecole indigène": مدرسة أهلية، أي خاصة بالجزائريين الذين كانت فرنسا تسمّيهم "أهالي" احتقارًا لهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>