للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجزائرية على الإحسان بالإساءة، وعلى المعونة بالخذلان، وعلى الدم بالهدم والهضم؛ وكان الهضم عامًّا لجميع الحقوق، ولكن التعليم العربي نال الحظ الأوفر من هذه الهضيمة، إذ رمته لجنة التحرير القومي بقانونين، وإن لم تكن لها قوّة "التقنين": أحدهما قانون ٦ أوت ١٩٤٣، والثاني قانون ٢٧ نوفمبر ١٩٤٤؛ وقد ذكرا في هذا المشروع، وأدرجا في مقدّمته، مع القوانين التي يجب الاعتماد عليها، والرجوع إليها: وإن التشريع في أيام الحرب للأمور الاجتماعية، كالتعليم مثلًا يخطئه التوفيق ويحالفه السفه والخطل، لأن زمن الحرب زمن ضرورة وترخص واستثناء، فما يصلح فيه لا يصلح في غيره، وحالة الحرب حالة اضطراب في العقول والأفكار، ليس معها هدوء ولا استقرار، فما شرعته تلك العقول، أو أنتجته تلك الأفكار، لا يكون إلا شدّةً أو انتقامًا أو بلاءً مبينًا. بل نقول: إن عمل لجنة التحرير القومي، أو عمل الحكومة الفرنسية في تلك الأيام في مثل هذه الشؤون، يعد كالعمل يوم القيامة، لا ينفع الأبرار، ولا يضرّ الفجّار.

إن أوجع الضربات المسدّدة للتعليم العربي، من هذا التشريع "الحربي" ما فرضه على المدارس العربية من تعمير خمس عشرة ساعة في الأسبوع بتعليم اللغة الفرنسية.

سألني المفاوض الرسمي- وهو يحاورني في هذه النقطة من المشروع- عن رأي في هذه الساعات الخمس عشرة، وعما يمكن أن نقبله منها، فقلت له: إننا لا نرضى في هذا الباب بشيء يزاحم لغتنا، ويضايق تعليمنا، وبيّنت له في تعليل ذلك الأسباب الآتية:

أولًا: إن مدة التعليم عندنا هي خمسة أيام في الأسبوع، فإذا قسمنا عليها خمس عشرة ساعة كان حاصل القسمة ثلاث ساعات لكل يوم؛ فماذا يبقى لتعليمنا العربي؟

ثاينًا: إن تعليمنا ديني، وفيه حفظ القرآن، وحفظ حصّة من القرآن يستغرق ثلاث ساعات من اليوم، فماذا يبقى لتعليم الدين والعربية؟

ثالثًا: إن أولياء تلامذتنا إنما جاؤونا بأولادهم لتعلّم العربية والدين، ولا نحقّق رغبتهم إلا بتعليم أبنائهم ست ساعات كاملة.

رابعًا: إن أغلب تلامذتنا يتركّب من المطرودين من المكاتب الفرنسية بدعوى مجاوزة السن القانونية، أو بدعوى ضيق الأمكنة عنهم، وفي الجمع لهم بين تعليمين إضاعةٌ للتعليمين معًا.

خامسًا: إن تعليمنا ابتدائي، وما عهدنا تعليمًا ابتدائيًّا يجمع بين نوعين من التعليم.

سادسًا: إن مدارسنا تنفق عليها الأمّة، وهي محدودة الموارد المالية. فمن أين ننفق على طائفة تساوي عدد معلّمي العربية؟ لا نقدر نحن على الإنفاق، ولا نرضى بأن تنفق

<<  <  ج: ص:  >  >>