للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا مقام إبراهيم ... ومن دخله آمنا

لا يخشى من الجحيم ... ومن النار الحاميا

فأضاف إلى تلك الشنعاء شنعاء أخرى وهي تحريف آية من كلام الله؟

أليس فيكم من يقول في صراحة إِنه يتصرّف في الوجود ويعطي من يشاء، ويمنع من يشاء ثم ينحل هذا التصرف غيره لتكون له أسوة؟ إن وجودًا يكله الله لتصرّفكم لأهون وجود، وهل بلغ هذا الكون البديع من الهوان على الله أن يكله إلى تدبيركم أيها الحمقى ونحن نراكم أعجز الناس عن تدبير (خبزة) فلا تبلغونها إلا بدفع دينكم ثمنًا لها.

أليس من الشائع في معتقدات العامة التي هي من وضع أيديكم أن من زار مقام فلان ثلات مرات كتبت له حجة؟ وهل في التعطيل لأركان الدين أشنع من هذا؟ لكم الويل أَكُلُّ هذا في سبيل إشباع بطونكم؟

بلى، كل هذا فيكم وفيكم غيره مما نعد منه ولا نعدده وإننا لنعلم أن منكم من ينكر هذا في نفسه ويبرأ منه، ولكن لماذا لا يمدّ يده إلينا ويرفع صوته معنا بالإنكار لهذه الشناعات التي صارت لكم سمة ونعتًا وعرفتم بها وعرفت بكم؟ لماذا لا ينضمّ إلينا فيكون لنا من بعضكم الصالح عون على بعضكم الطالح لولا أنكم تتقارضون سكوتًا بسكوت لأن ضلالكم (مصلحي) والمصلحة أنواع.

أفي الحق ما بعضه حق وبعضه باطل؟ وفي الأوصاف ما إن وصف به فلان ابن فلان كان خيرًا وكان حسنًا وكان فضيلة وكان بحيث يحمد ولا يذم ويشكر ولا ينكر، وإن وصف به فلان الآخر كان شرًا وكان معصية وكان رذيلة وكان وكان، أوَّلًا: ففيم نزاع الناس في أن هؤلاء لصوص؟ أإن فارقوا اللصّ في هيئته فارقوه في أنه يأخذ مال الناس غلابًا ويأخذونه بما يشبه الرضى وفارقوه في طرائق الاحتيال للتخلّص من القانون- يريدون منّا ألا نسمّيهم لصوصًا، كلا إنهم لصوص ويزيدون على اللص العادي بواحدة- وما يزيدون بها إلا النقص، وهي أنهم يتلصصون باسم الدين.

ولقد كان الظن بكم غير ما هو الآن إذ كنتم فرادى يعمل كل واحد منكم في دائرته الخاصة ويسير في طريقه ويحمي مناطق نفوذه ويجرّ النار لقرصه وكانت أسباب العداوة بينكم مستحكمة تمدّها أسبابها الطبيعية وما أسبابها إلا المزاحمة في المصالح الدنيوية والمنافسة على الرياسة والمكاثرة بالاتباع فكنّا نراكم على باطل ولكنه باطل موزع القوة وذلك أوهن له، وكنا لذلك نرجو لكم الرجوع إلى الحق ونرجو منكم معاونة الداعين إليه، فما راعنا في وقت نحن ننتظر فيه منكم الإنابة إلا تألبكم ضد الحق واجتماعكم لحربه فعلمنا أن ذلك الباطل الموزع بعضه من بعض وأن هذه هي غايته لا ما مَوَّه به المموّهون منكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>