للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس الذنب في هذه الحالة الأليمة ذنبكم، وليست التبعة فيها واقعة عليكم. بل أنتم فرائس هذه الأخلاط القاتلة، وأنتم المجني عليكم لا الجناة، وإنما التبعة على الذين يملكون القدرة على التغيير، ثم لا يغيرون، وتواتيهم الفرص إلى الإصلاح، ثم لا يصلحون.

...

إن كثيرًا منكم في حاجة إلى الاستزادة من التحصيل لو تيسرتْ لهم أسبابه، وانفتحت في وجوههم أبوابه، ولكنهم انقطعوا عن التعلم اضطرارًا، فشغلناهم بالتعليم اضطرارًا، لأن حالتنا جميعًا- وأمتنا معنا- حالةُ اضطرار لا اختيار معه، وحالة شذوذ لا قاعدةَ له، وإن التعليم لإحدى طرق العلم للمعلم قبل المتعلم، إذا عرف كيف يصرّف مواهبه، وكيف يستزيد وكيف يستفيد، وكيف ينفذ من قضية من العلم إلى قضية، وكيف يخرج من باب منه إلى باب؛ فاعرفوا كيف تدخلون من باب التعليم إلى العلم، ومن مدخل القراءة إلى الفهم؛ وتوسّعوا في المطالعة يتسع الاطلاع، ولا يصدنكم الغرور عن أن يستفيد القاصر منكم من الكامل، والكامل ممن هو أكمل منه.

إن حاجتنا إليكم هي أن تنقذوا هذا الجيل الناشئ من الأمية التي ضربت بالشلل على مواهب آبائهم، وكانت نقصًا لا يعوَّض في إنسانيتهم، ثم كانت سببًا في كل ما يعانونه من بلاء وشقاء؛ وأن تحببوا إليهم العربية، وتزينوها في قلوبهم، وأن تطبعوهم على التآخي والتعاون على الخير، وأن تربُّوهم على الفضيلة الإسلامية التي هي مناط الشرف والكرامة والكمال، وأن تأخذوهم بممارسة الشعائر الدينية صغارًا، حتى نأمن تضييعهم لها كبارًا، وأن تزرعوا في نفوسهم حب العلم والمعلم، وحب الأب والأم، وحب بعضهم بعضًا، وحب الله ورسوله والإسلام قبل ذلك ومعه وبعده.

لا يضيركم ضعف حظكم من العلم إذا وفر حظكم من الأخلاق الفاضلة، فإن أمتكم في حاجة إلى الأخلاق والفضائل؛ إن حاجتها إلى الفضائل أشد وأوْكد من حاجتها إلى العلم، لأنها ما سقطت هذه السقطة الشنيعة من نقص في العلم، ولكن من نقص في الأخلاق.

أخشى أن تغيب عن بصائركم حقيقةٌ ثابتة، وهي أنكم معلمون للصغار، وأئمةٌ للكبار، أولئك يأخذون من أخلاقكم وعلمكم، وهؤلاء يأخذون من أخلاقكم؛ فإذا راعيتم الجانب الأول، واعتقدتم أنكم معلمون للصغار، وحسبُ المعلم أن يؤدّي وظيفته أداءً آليًّا، وأغفلتم الجانب الثاني فلم تبالوا بما يأخذه منكم استقامةً واعوجاجًا، كان

<<  <  ج: ص:  >  >>