للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذه هي المعاني التي دعتنا إلى جمع المدارس العربية تحت إدارة واحدة، وإشراف واحد، وإلى حشر المعلمين تحت لواء واحد، لِعِلْمنا أن توحيد الغايات لا يأتي إلا بتوحيد الوسائل.

يسوءنا- والله- ويسوء الحق، أن تكون الحقيقة في هذه القضية أوضحَ من الشمس، وأن يكون رأينا فيها بعيدًا من اللبس، ثم يتمارى بعض الناس فيها فيشاقّوننا في الرأي والعمل، وتأبى بعض الهيئات إلا أن تنفرد بمدرسة أو بضع مدارس، ويأبى بعض أبنائنا الطلبة أن يكونوا إلا ملوكَ طوائف: إمارة بلا عمارة، وزعامة بلا دعامة: كلّ ذلك لدواع من الجبن، أو بواعثَ من الحسد أو دوافعَ من الغرور والأنانية، أو كلّ ذلك مضروبًا بعضُه في بعضه؛ ومن ادّعى منهم خلافَ هذا فلا يصدّقه الناس، لأن قاعدة السبر الأصولي لا تقتضي إلا هذا، لو رزق الله إخواننا هؤلاء عقولًا تزن الأمورَ بعواقبها، وإخلاصًا يذيب الحسد، ويذهب بالأنانية، لعلموا أن الخير كل الخير في الاجتماع، وأنّ القوة كلّ القوة في الاتحاد، وأن الخروج على الجماعة أهلكَ من قبلنا وهم في نهاية القوة. فكيف لا يهلكنا ونحن في نهاية الضعف؟ وأن الثمرات التي نرجوها من المدرسة للجيل الجديد لا تأتي مع هذا التفرّق والتشتيت، وأن من يريد الإصلاح فليدخل فيما دخل فيه الناس، وليعالج- مخلصًا- من الداخل، أما محاولته للإصلاح وهو خارج فليست إلا هدمًا وتخريبًا، وأن الجيل الذي تخرجه هذه المدارس المتغايرة المتنافرة لا يأتي إلا متغايرًا متنافرًا، لا يزيد شيئًا عن خرّيجي الزوايا في العهد القديم، لا يجمعهم من الخلال إلا أبلغها في تفريقهم وهو تعصّب كل تلميذ لزاويته، والحلفُ برأس شيخها، وبئس الجيل جيل يكون هذا مبلغه من التربية والعلم، وبئس المربّون نحن إن رضينا لهم هذه المنزلة.

...

اثنتان يجب توحيدهما وإصلاحهما بحزم وشجاعة وإخلاص، وإلا كنّا جانين على النهضة ومستقبلها، غاشين للأمة في أطفالها وشبابها، متسببين لها في خسارة رأس مالها الضخم، والثنتان هما: هيئات المدارس، وهيئات الكشافة ...

<<  <  ج: ص:  >  >>