للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليحفظ على الشاب والشابّة دينهما وعرضهما ويضبط عليهما عواطفهما فلا تمتدّ العين إلى محرم، ولا تهفو النفس إلى محظور، ولا يجاوزان بالفطرة حدود الله.

ولو أننا وقفنا عند حدود الله، ويسّرنا ما عسرته العوائد من أمور الزواج، لما وقعنا في هذه المشكلة، ولكننا عسرنا اليسير، وحكمنا العوائد، والعجائز القواعد، في مسألة خطيرة كهذه، فأصبح الزواج الذي جعله الله سكنًا وألفة ورحمة- سبيلًا للقلق والبلاء والشقاء، وأصبح اللقاء الذي جعله الله عمارة بيت وبناء أسرة- خرابًا لبيتين بما فرضته العوائد من مغالاة في المهور، وتفنّن في النفقات والمغارم.

هذه العوائد بدّلت حكم الله، ونسخت سنّة رسوله، فأصبح الزوج لا ينظر من الزوجة إلى دينها وحسبها وجمالها، وإنما ينظر إلى شيء واحد ... إلى مالها، فلتكن من خضراء الدمن، ولتكن دميمة الخلقة، كلّ ذلك لا يضيرها عند الزوج الطامع إذا كان لها مال، وولي الزوجة لا ينظر من خاطب بنته إلى أصله ودينه وأخلاقه، وإنما ينظر إلى شيء واحد ... إلى ماله وما يقدّمه من المهر الغالي والحلي النفيس، وبعد هذا لا نعجب إذا رأينا كلّ زواج يبتدئ بهذا الاعتبار، ينتهي بالطلاق والعدواة والخصام بعد أشهر وأيام.

إن الصدقات التي يتغالى فيها هؤلاء الحمقى يكتفي فيها الإسلام بأقل متموّل، وقد زوّج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مسلمة مؤمنة على أن يعلمها زوجها سورًا من القرآن، واكتفى في تزويج أخرى بخاتم من حديد (لو وُجد) ليرشد إلى أن المال ليس له من الاعتبار في باب الزواج إلا ما لخاتم الحديد.

إن مقاصد الإسلام في هذه السنّة أعلى من كل ما يعمله الناس، فهو يرمي بما شرع إلى بناء البيوت على المحبة والتعاون على تربية النسل وتعليمه وتقوية الأمة به.

وعلى هذا فالرجل الذي يُزوّج ابنته على هذا الأصل الواهي، ولا يراعي في زوج بنته إلّا جانب المال، رجل لا عقل له ولا ضمير، فقد يفلس ذلك الزوج، ويرجع على صداق زوجته وثروتها حتى يفلسا معًا، ويكون عاقبة أمرهما الطلاق، وكم رأينا من غني زوّج بنته بسكّير لما قدّم من حلي وساق من مهر، فعاشت بنته في نكد، ولم تتمتعّ بزوج ولا ولد؛ وكم رأينا مَن باع داره التي تُظلّه وتُظلّ أطفاله لإهداء بنت من بناته إلى زوجها، فلما جاء دور الثانية لم يجد، ووجد الشيطان فسوّل له أن يعضلها حتى تموت.

هذه بعض الموبقات التي قرّرتها العادة الفاسدة في مجتمعنا، فأدّت إلى بقاء الشبّان والشّابات أعزابًا ساخطين على الحياة متبرمين بها.

ثم ماذا كانت العاقبة؟ فساد أخلاق وتهوّر في الفسق وأول الغيث قطر.

<<  <  ج: ص:  >  >>