للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن قوّتكم في الاتحاد فاتّحدوا.

إن الأمة من ورائكم، وهي مختلفة باختلافكم، فإذا اتحدتم اتحدتْ، وإنها متألمة من اختلافكم في مثل هذا الوقت، وفي مثل هذا الموقف، وإن هذا التألّم قد يفضي بها إلى اليأس وانعدام الثقة بكم، فأنعشوا آمال أمّتكم باتحادكم وقوُّوا معنوياتها بجمع كلمتكم.

إن خصومكم يتقدّمون إلى الميدان بقائمة واحدة مختارة من أهل الكفاءات في حربكم وبغضكم، ومن أهل السوابق في الكيد لكم، يؤيّدها الموافق المتحمّس، ويرجع إليها النافر والشارد والمحايد، فتكتسب من وحدتها قوة الاتحاد، ومن التفاف الفرق قوة الإجماع. وإن هذه القوة تُصيّر الباطل حقًّا في نظر القانون.

أما أنتم فتتقدمون- ما دمتم مختلفين- بقوائم مختلفة متعددة مبنية على عصبية الحزبية، لا على أساس الكفاءة، ولا على اعتبار المصلحة الوطنية، تصحبها دعايات يلعن بعضها بعضًا، ولا تنتهي حتى تقطع ما بقي من أوصال هذه الأمة الضعيفة، وتأتي على ما بقي من وشائج القربى وصلات الأخوة، ثم تترك بعدها نيرانًا من العداوة لا يطفئها ماء البحر، وندوبًا من الحزازات والأضغان لا يمحوها كرّ الزمن، وتصيّر الأخ ينظر إلى أخيه وكأنما ينظر إلى قاتله، فهي كالأمراض المستعصية إن لم تقتل تركت الضعف والارتخاء والفتور والنحول، ثم تبرز القوائم الناجحة فإذا هي هزيلة مضعوفة، مرقّعة الأطراف، خالية من الكفاءات خالية من روح النضال خالية من القيادة الصحيحة، وإذا بتلك الحمية قد بردت، لأن باعثها هو الانتخاب، وعصبية الأحزاب، لا مصلحة الوطن وحقوق الأمة، ومن المحزن أننا ما زلنا نعتبر الانتخاب غاية لا وسيلة في حين أنه في حقيقته وفي نظر الأمم الحية وسيلة لا غاية، وهذه إحدى نقط الضعف في عقليتنا العامة، فليعتبر بها رجالنا وأحزابنا، تضاف إليها أخرى من نقائصنا وهي أن الانتخابات في نظر الأمم الحية كميدان المصارعة الرياضية، لا ينتهي المتصارعان حتى يتصافحا على الوفاء للفن، أما عندنا فهي مجال خصام، تبتدئ بالسباب، وتنتهي بالعداوة، وما ذلك إلا لأن حظ النفس لم يزل عندنا مقدمًا على حظ الوطن وعلى المصلحة العامة.

يا قادة الأحزاب! إن في مبادئكم دسائس دخيلة من الأفكار، تؤرّث العداوة الحزبية بين الإخوة بحجّة المحافظة على المبدإِ، فانبذوها بضرورة الاتحاد ومراعاة الظروف، وادحضوا شبهتها بحجة الوطن الصريحة، وإن في صفوفكم دساسين مدخولين من الرجال لهم أغراض في المنافع والكراسي ولهم مقاصد في الإفساد، وإنكم لتعرفونهم بسيماهم وتعرفونهم في لحن القول، فأخرجوهم من الصفوف، ولا تسمعوا لهم كلمة ولا تطيعوا لهم رأيًا، وإن إخراجهم لا ينقص عددًا ولا يقطع مددًا، بل يقطع دابر الفساد من صفوفكم ويسأصل مادة الضعف من أتباعكم.

<<  <  ج: ص:  >  >>