للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فأقسموا ليكفرن عن خطيئة النوم والغفلة بكم، وليقدمنكم قُربانًا للعلم، وليمسحنّ بأيديكم الكاتبة آثار الأمية وأوضارها. وهم يودّون- بكل مفروح به- لو يزاد من أعمارهم في أعماركم، فوجّهوكم هذا التوجيه الصادق للعلم، ومهّدوا لكم سبل الهجرة إلى منابعه. وإن منهم لمن يبيع قوتَ العيال ليزوّدكم، ويمتهن الأعزة منهم ليسودكم، وما كانوا قبل جمعية العلماء يوجّهون أبناءهم لمفيد، أو لمحمود من المقاصد سديد.

وأنتم- يا أبناءنا- بواكير نهضة علمية قد أظلّ زمانها، وجاء إبّانها، وظهرت تباشير فجرها الصادق، ولمعت مخايل مُزنها الوادق، والعلم- إن كنتم لا تعلمون- هو أساس الوطنية، وقطب رحاها، ومركز دائرتها، ودليل سيادتها.

لا حق لكم على الوطن، بل الحق كله للوطن عليكم، وإن أوْكد حقوقه عليكم أن تحقّقوا بالعلم مطالبه، وتعمروا بالعلم جوانبه، وتنيروا بالعلم غياهبه.

أعيذكم بالله وبشرف العلم وبأمانة الوطن أن تُنفقوا دقيقة من أوقاتكم- بعد قوام الدين والحياة- في غير الطلب والتحصيل للعلم، والقراءة والمذاكرة في العلم.

وأعيذكم بالله وبشرف العلم أن تعودوا إلى الوطن كما فارقتموه بنصف قارئ وربع قارئ، وعشر قارئ.

وأعيذكم بالله وبشرف العروبة أن تسري إليكم العدوى من ممتهني الوطنية فتمتهنوا العلم، فلقد توهّموا- ضلة- أن الوطن يُخدم بالدعاوى الجوفاء، فحذارِ أن تتوهّموا أن العلم ينال بالدعاوى الجوفاء. كلا ... إن الوطنية لعقيلة كرام، لا يساق في مهرها بهرج الكلام، وكريمة بيت، لا تنال بلَوْ ولا بِلَيْت. وإن العلم كبير أناس، لا يُصاحب إلا بضبط الأنفاس.

أعيذكم بالله وبشرف الأبوة أن تعقّوا آباءكم ووطنكم وأن تكونوا سخنة عين لهما، فترجعوا بعد طول الغيبة بالخيبة، وصفر العيبة، وأن اللباب من الشباب هم الذين يكونون كفارة وطهرة لوالديهم، لا كفارًا فجرة بأياديهم.

إن طريق العلم محفوف بالعوائق، من مقت يحيق، ووقت يضيق، وإن الأقدار قد وضعت في طريقكم إلى العلم عائقًا جديدًا هو شر العوائق وأضرّها ... هو هؤلاء الدعاة الغاشون، والسماسرة المضلّون، يدعونكم إلى السياسة ليصدّوكم عن العلم، وإلى الحزبية ليفرّقوكم من الجماعة، وإلى الوطنية ليشغلوكم باسمها عن حقيقتها، ويلهوكم بلفظها عن تحصيل أقوى وسائلها، وهو العلم، إنهم يملأونكم بالخيالات صغارًا، لتفرغوا من الحقائق كبارًا، وإنه لنوع من التسميم المرجأ لا يشعر به المصاب إلا بعد فوات الوقت.

<<  <  ج: ص:  >  >>