مسارح غيبتهم عنكم، فيضلونهم عن سواء السبيل، ويوجّهونهم لغير الجهة التي أردتم، ويأتونهم- كالشيطان- من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، ويصدّونهم عن ذكر الله وعن الصلاة وعن العلم إلى أحاديث يزوقونها لهم، تملأ السمع، ولا تملأ العقل، ويصرفونهم عن كتب العلم ودروس العلم إلى جرائد حزبية مملوءة بالكذب والنقائص والمهاترات والسباب.
إن هؤلاء اللصوص المأجورين بأموالكم قد نالوا مأربهم في إفساد عقول أبنائكم في غفلة منكم، وصدّوهم عن العلم، وشغلوهم بالسفاسف الحزبية، حتى أصبح المقهى أحبّ إليهم من الجامع، والجريدة أحب إليهم من الكتاب، والمناقشات الحزبية أشهى إليهم من المذاكرات العلمية، وقد فرّقوهم شيعًا وأوزاعًا، بعد أن جمع العلم بين قلوبهم وأفكارهم، وأيسر ما في هذا الداء أنهم يزيّنون لهم عقوقكم، ويهونون عليهم حقوقكم.
إن هؤلاء اللصوص يغدون على أبنائكم ويروحون، ويقعدون لهم بكل صراط، ويتنقلون بهم في الإفساد وتضييع الأوقات وتعطيل المواهب من منزلة إلى منزلة، ومن مرحلة إلى مرحلة، وآخر مرحلة لمن تمّ تسليكه على أيديهم أن يقتلعوه من حلقة الدرس ويبعثوا به من تونس إلى الجزائر داعية انتخاب، وخطيبًا يدعو لذلك الصنف الذي تعرفونه من النوّاب. أفلهذا أرسلتم أبناءكم إلى تونس؟ أم أنتم لا تبصرون؟
أليس من المبكيات أن لا ينجح في شهادة التحصيل من جامع الزيتونة إلا ستة أو سبعة من ألف تلميذ وبضع مئات من أبنائنا؟ وما السبب؟ السبب يرجع بالخصوص إلى هؤلاء اللصوص.
...
أيها الآباء- وكلنا آباء- إن جمعية العلماء هي الهيئة الوحيدة التي تحضن حركة التعليم العربي في داخل القطر، تقوم بها وتحوطها وتناضل عنها، وتقوم بأمانة الله في توجيه هذا الجيل للدين والعلم. وهي- بطبيعة عملها- المؤتمنة على عقول الصغار حتى لا تضل ولا تطغى، وعلى عقائدهم حتى لا تفسد ولا تزيغ، وإن من أداء الأمانة أن تتقدّم بهذه الحقائق إلى الأمة. كما تقدّمت بالنصائح السالفة إلى التلامذة.
وجمعية العلماء تعتقد أنه لا يتمّ إصلاح التعليم في الداخل إلا إذا تمّ إصلاحه في الخارج، لشدة الاتصال بينهما، ولأن التعليم في الخارج هو الذي يغذّي التعليم الداخلي بالمعلّمين، ومحال أن ينال التعليم الداخلي خيرًا من معلّمين يتخرّجون من المقاهي، ويحصلون معلوماتهم من الجرائد الحزبية، ويتدرّبون في الميادين الحزبية على السباب،