للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المنكر لا تبرك الإبل به. وأن انتشار هذه الدفاتر في هذه الأمة المسلمة يفوق انتشار الأوبئة والطواعين فيها، وأن الواجب على علماء هذه الأمة أن يحموها من تلك الكتب كما يحمى المريض من بعض الأطعمة وبعض المياه التي تمدّ المرض وتزيده إعضالًا، وأن أيسر ما تستحقه تلك الكتب هو الإحراق.

ويقولون عنّا إننا وهّابيون، كلمة كثر تردادها في هذه الأيام الأخيرة حتى أنست ما قبلها من كلمات: عبداويين وإباضيين وخوارج. فنحن بحمد الله ثابتون في مكان واحد وهو مستقر الحقّ، ولكن القوم يصبغوننا في كل يوم بصبغة ويسموننا في كل لحظة بسمة، وهم يتخذون من هذه الأسماء المختلفة أدوات لتنفير العامة منّا وإبعادها عنّا وأسلحة يقاتلوننا بها وكلّما كلّت أداة جاءوا بأداة، ومن طبيعة هذه الأسلحة الكلال وعدم الغناء، وقد كان آخر طراز من هذه الأسلحة المفلولة التي عرضوها في هذه الأيام كلمة "وهابي" ولعلّهم حشدوا لها ما لم يحشدوا لغيرها وحفلوا بها ما لم يحفلوا بسواها ولعلّهم كافأوا مبتدعها بلقب (مبدع كبير).

إن العامة لا تعرف من مدلول كلمة "وهابي" إلا ما يعرفها به هؤلاء الكاذبون، وما يعرف منها هؤلاء إلا الاسم وأشهر خاصة لهذا الاسم وهي أنه يذيب البدع كما تذيب النار الحديد، وأن العاقل لا يدري ممَّ يعجب: أمن تنفيرهم باسم لا يعرف حقيقته المخاطب منهم ولا المخاطب أم من تعمّدهم تكفير المسلم الذي لا يعرفونه نكاية في المسلم الذي يعرفونه، فقد وجّهت أسئلة من العامة إلى هؤلاء المفترين من علماء (السنّة) عن معنى الوهابي- فقالوا هو الكافر بالله وبرسوله {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا}.

أما نحن فلا يعسر علينا فهم هذه العقدة من أصحابنا بعد أن فهمنا جميع عقدهم، وإذ قد عرفنا مبلغ فهمهم للأشياء وعلمهم بالأشياء، فإننا لا نرد ما يصدر منهم إلى ما يعلمون منه ولكننا نردّه إلى ما يقصدون به وما يقصدون بهذه الكلمات إلا تنفير الناس من دعاة الحق ولا دافع لهم إلى الحشد في هذا إلا أنهم موتورون لهذه الوهابية التي هدمت أنصابهم ومحت بدعهم فيما وقع تحت سلطانها من أرض الله وقد ضجّ مبتدعة الحجاز فضجّ هؤلاء لضجيجهم والبدعة رحم ماسّة، فليس ما نسمعه هنا من ترديد كلمة وهابي تقذف في وجه كل داع إلى الحق إلا نواحًا مرددًا على البدع التي ذهبت صرعى هذه الوهابية، وتحرّقًا على هذه الوهابية التي جرفت البدع، فما أبغض الوهابية إلى نفوس أصحابنا وما أثقل هذا الاسم على أسماعهم ولكن ما أخفّه على ألسنتهم حين يتوسلون به إلى التنفير من المصلحين، وما أقسى هذه الوهابية التي فجعت المبتدعة في بدعهم وهي أعزّ عزيز لديهم ولم ترحم النفوس الولهانة بحبّها ولم ترث للعبرات المراقة من أجلها.

<<  <  ج: ص:  >  >>