للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النوّاب الأحرار، تمهيدًا للغدر، وتعويذًا من العين، ودفعًا للتهمة وقالة النقد، فإذا اجتمعتْ هذه المجالس النيابية ليوم الفصل في المشكلات، أو ليوم الرأي في المعضلات، لم تجد نوّابًا ولا رأيًا، ولكنك تجد الحكومة تتحكّم وتسيطر، وتوجّه وتملي، ثم لا يكون إلا رأيها، وإنك لترى أشخاصًا وتسمع أصواتًا، وتشاهد حدودًا من النظام، وتسمع في بعض الفترات نبرات حرة تخترق تلك الكثافة الغالبة، حتى يخدعك النظر، وتهُمّ بأن تعتقد أنها مجالس نيابية، ولكن ذلك كله ما دام الحديث في القشور والتوافه، أما إذا عُرضت مصالح الحكومة، وعارضتْها مصالح الوطن وحقوق الأمة فإن النيابة تنقلب حكومة، ويضيع الصوت الحرّ- إن كان- في الضجيج.

لا تكون النيابة مثمرة إلا إذا كان الانتخاب حرًّا، وكان المنتخب عارفًا بقيمة نفسه وبمعى الانتخاب، ولم ترَ الجزائر انتخابًا حرًّا خاليًا من شوائب التدخّل الحكومي من يوم نشأ فيها الانتخاب؛ ولا تبحث بعد هذا عن أعجوبة الأعاجيب في هذه المجالس، وهي تمثيل الأقلية فيها لأكثرية السكّان، وتمثيل الأكثرية لأقليتهم، ولئن سألتهم ليقولن: إن أكثرية السكّان متأخرة عقلًا وثقافة، منحطّة علمًا وتفكيرًا، لا جرم أنها لا تستحقّ إلا هذه النسبة في التمثيل، فسلهم: ما الذي أخّرها؟

إن الاستعمار هو الذي أخّرها عامدًا، فسدّ عليها منافذ العلم، وأفسد فيها معاني الرجولة، وعامل القيم الإنسانية والموازين العقلية فيها بالبخس، ومحا منها بوسائله السحرية من الوظيفة واللقب والنيشان والأطماع كل المثل العليا التي هي مناط الطموح في الأمم، فأصبح معظمها حيًّا بلا حياة، وبلا أمل في الحياة، تسيَّر، ولا تخيّر، ويفتات عليها، ولا تشاور، وأصبح هؤلاء النوّاب نوائب نازلة عليها، لا يعرفونها إلا في أيام الانتخاب، أو لا يعرفونها قط، لأن الحكومة عرفت بهم، فإذا حلّت الكوارث بالأمة، أو فعلت الحكومة الأفاعيل بالأمة، سكتوا، كأن الأمر لا يعنيهم، ولأن الحكومة ما وضعتهم حيث هم إلا ليسكتوا ...

إن الغابط لنا على هذه النيابة خابط في ضلالة، وإن الحاسد لنا عليها حاسد على الموت، وإن الممتن بها علينا ممتن بالسراب على العطاش.

هذه هي حقيقة النيابة في الجزائر، فكيف يُرجى منها ما يُرجى من أمثالها في الأمم من مراقبة للحكومة، ومحاسبة للحكّام، وحماية للأمة، حتى يفشو العدل، ويشيع بين الناس.

وأما الصحافة في الجزائر فإنها استعمارية خالصة لحمًا ودمًا، تعيش على ماله، وتسير بتوجيهه، فهي تخدم ركابه، وتنصر مبادئه، وتثبت أصوله وتنافح من ورائه، وتأمر في حق الأمة الجزائرية بالمنكر، وتنهى عن المعروف وتضع الموازين البخس، لمصالحها، وتجسّم

<<  <  ج: ص:  >  >>