للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من تلامذة هذه المدرسة الاستعمارية النجباء المقدمين، تلميذ بالمغرب الأقصى، قفز قناطر الامتحان بخطوة، وغبّر في وجوه أساتذته بلهوة، وقطع أسئلتهم المتنوّعة الكثيرة بهذه الجمل القصيرة، وهي:

"أنا روح الاستعمار وسرّه وحقيقته المشخِّصة، وإنه لو لم يكن في الدنيا استعمار لكنتُ وحدي استعمارًا قائمًا بذاته، ولو انقطع الاستعمار- لا قدّر الله- فسأكون أنا وحدي حافظ أنسابه، ووارث أسلابه، وقيّم أبوابه، والمتعبِّد بتلاوة كتابه، وأنا وحدي المثال المحقِّق لقاعدته، وأنا وحدي الدليل على خروج الاستعمار من صورته الذهنية إلى حقيقتة الخارجية، وإنني كنت أرجو أن أكونه لو لم يكن، فلما أخطأني من ذلك ما أخطأ ابن أبي الصلت من النبوّة، لم أكن كابن أبي الصلت، بل كنت أول المؤمنين به، الذابِّين عن حياضه، المغرّدين كالذبابة في رياضه، الناشرين لدينه، العاملين على امتداد سلطانه، وإنني عاهدت نفسي على أن أكونَ للاستعمار ما كان أبو مسلم الخراساني للمنصور، أو ما كان طاهر بن الحسين للأمين، وساءا مثلًا ... أين يقعان منِّي؟ وأين يقع المنصور والأمين من المستعمرين الميامين؟ ... فاجعلوني سيِّدًا أكنْ لكم عبدًا؛ وأعينوني بقوة أجعل لكم بين البربر وبين العرب رَدْمًا، ثم لآتينّكم منهم بطوابير تملأ البوابير" (١).

هذه ترجمةُ جوابه في الامتحان الكتابي ...

ويَلمّه (٢) محظأ نار، وشيطان استعمار ... إن تلميذًا يسابق أسئلةَ الأساتذة بهذا الجواب، لَحقيق أن يفعلَ ما فعله الحاج التهامي الجلاوي، أو لَحقيق أن يكون هو- نفسُه عينُه- الحاج التهامي الجلاوي ...

وهبْه هو هو أو هو إياه، فما هو على الحقيقة بالتهامي كما سمّاه أبواه، ولا بالجلاوي كما عزاه من عزاه، ولا بالشريف المزواري كما يصفه المادحون الكذبة وإنما هو شر مهيأ للمغرب الإسلامي منذ كان هو، ومنذ كان للاستعمار فيه وجود، وهو سلاح من الباطل مجرّد في وجه الحق كلّما نأمتْ نأمتُه، وجلت عن السكوت ظُلامته، وما أمرُ هذه الأسلحة الاستعماريَّة بسِرّ، فقد فضحناها بأقوالنا، ثم فضحت نفسها بأعمالها، ثم فضحها الاستعمار بسوء استعمالها، فلم يبقَ إلا التفكير الجدّي والعمل الحازم لفلِّها وإبطال فعلها، وإنّ من المؤسف أن الخلاص منها لا يكون إلا مع الخلاص من أصلها الذي تفرّعت عنه، ومن مادتها التي تمدّها بالنماء والبقاء، وإن ذلك لما يعمل له العاملون الصادقون المخلصون.

ولا بعدَ من خير وفي الله مطمع، ولا يأس من روح وفي القلب إيمان.

...


١) البوابير: جمع "بابور" وهو الباخرة.
٢) أصلها ويل أمّه ثم خففت بحذف الهمزة واتصلت الكلمتان في الكتابة.

<<  <  ج: ص:  >  >>