للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأقيمت المظاهرات، فهل كنتم ترجون من الدول المتّحدة على الباطل غير ذلك؟ وهل كنتم تعتقدون أنه مجلس أمم كما يزعم؟ كأنَّ تلك الأمم وحَّد بينها الانتصار على الألمان النازي، واليابان الغازي. فجعلت من شكر الله على تلك النعمة أن تنظم أمم العالم في عقد من السلام والحرية تستوي فيه الكبيرة والصغيرة؛ ودوله في مجلس تستوي فيه القوية والضعيفة، ليقيم العدل، وينصف المظلوم، وكأنَّكم ما علمتم أن ذلك المجتمع يمشي على أربع، ثلاث موبوءة، والرابعة موثوءة.

يا قوم! ما ظُلمت فلسطين يوم قُسمت، ولكنَّها ظُلمت يوم بذل بلفور وعده للصهيونيين باسم حكومته، وما منَّا- أهلَ هذا الجيل- إلا من شهد يوم الوعد، وشهد يوم التقسيم، وشهد ما بينهما، ومَن عرف مصادر الأمور عرف مواردها، فانظروا- ويحكم- ماذا فعل الصهيونيون من يوم الوعد إلى يوم التقسيم، وانظروا ماذا فعلنا.

علم الصهيونيون أن الوعد لا يعدو كونه وعدًا، وأن نصّه الطريّ اللّين هو: "أن انكلترا تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي لليهود بفلسطين! " فأعدّوا لتحقيقه المال، وأعدُّوا الرجال، وأعدّوا الأعمال؛ واتخذوا من الوقت سلاحًا فلم يضيعوا منه دقيقة، واستعانوا بنا علينا ... فاكتسبوا من ضعفنا قوة، ومن جهلنا قوة، ومن تخاذلنا قوة، ومن غفلتنا قوة، ومن أقوالنا الجوفاء قوة، وأصبحت هذه القوّات كلها ظهيرًا لهم علينا.

وعلمنا نحن أن ذلك الوعد وعد إنكليزيّ وعد بلفور به اليهود عند حاجته إلى ذهبهم، كما وعد الشريف حسينًا بخلافة شاملة ووحدة كاملة عند حاجته إلى تخذيل الأتراك، وأن الوعود الإنكليزية شيء عرفناه- بزعمنا- بعضُه من بعض، يُخلف مع اليهود كما أخلف مع الشريف حسين. وتعامينا عن الفوارق العظيمة بيننا وبين اليهود، وبين وعود الإنكليز لنا ووعودهم علينا.

كان الواجب أن نعمل من يوم الوعد لما ينقُض الوعد، فنجمع الشمل المشتت، والهوى المتفرق، ونقضي على الصنائع التي اصطنعوها منا، ونحارب الواعد والموعود بالسلاح الذي يحاربوننا به، ونعلم أن اليهود لا يكاثروننا بالرجال فرجالنا أكثر، ولا يكاثروننا بالشجاعة فشجاعتنا أوفر، وإنما يكاثروننا بالمال والعلم والصناعة، فلو كنا ممن يفكر ويقدِّر ويأخذ بالأحوط الأحزم، لبدأنا من أول يوم بالإعداد والاستعداد، فأعددنا المال، وأعددنا العلم، واستعددنا بالصناعة. وإن في ثلاثين سنةً ما يكفي لأن نستعدّ كما استعدّوا، وأكثر مما استعدّوا. لا بالأقوال والاحتجاجات التي هي سلاح الضعفاء، ولكن بمصانع العقول وهي مدارس العلم، وبمعامل الأسلحة والعتاد، وبمصايد المال وهي الشركات التجارية، ولو فعلنا لانجحر صهيون في وجاره، وانكمش من يؤازره اليوم من أنصاره، ولو فعلنا لما كانت مماطلة الأمس ولا تقسيم اليوم.

<<  <  ج: ص:  >  >>